تراث غير متكامل الصورة.. ومخطوطات متهرّئة!


صحيفة المشاهد




الكتاب: سوس التاريخ والثقافة والمجتمع
المؤلّف: أحمد السعيدي
الناشر: أفريقيا الشرق ـ الرباط 2011


حول الواقع الذي يعيشه التراث المخطوط في منطقة سوس، يرى المؤلّف أن أهمّ شيء هو أنه لا يوجد حتى الساعة إحصاء دقيق لهذا التراث بمعرفة مظانّه والخزائن التي يوجد فيها، مما يجعلنا لا نستطيع أن نقدّم صورة متكاملة عنه، فهو يعيش ما يعيشه التراث المخطوط عموماً في المغرب من الآفات الكثيرة التي تهدّده، كسوء الاستعمال، والبيع غير المشروع، والتهريب، إضافة إلى الآفات الطبيعية كالأرضة، والنمل الأبيض، والسمكة الفضّيّة، والرطوبة، وتقصّف الورق إلخ. إضافة إلى عدم وجود خزانة متخصّصة بالحفظ والصيانة والترميم، كما هو الشأن في الرباط وفاس.
وحول غزارة التراث المخطوط في منطقة سوس وثرائه، وما طاوله من النهب والسرقة الذي يتعرّض لها هذا التراث. وكيفية تعامل الأطراف المعنيّة من فقهاء وعلماء مع الظاهرة، يرى المؤلّف أن ظاهرة تهريب المخطوطات ليست مقصورة على منطقة دون أخرى، ولا يمكن الحديث عن الظاهرة من دون دراسة علمية لها. وهو ما مكّن الكاتب من القول إنه تواتر إلى سمعه أن بعض المخطوطات من الخزائن السوسيّة بيعت إلى أشخاص من جنسيّات مختلقة. أما بالنسبة الى موقف المثقّفين هناك، فالأكيد أنهم ضد تصدير التراث المحلّي إلى أي مكان آخر، خصوصاً إذا كان المخطوط في نسخة أصلية نادرة.
وحول بروز دعاوى تأجيج الخلاف الحضاري والنفسي والثقافي بين العرب والأمازيغ، لأهداف أضحت معروفة لدى الجميع، والكاتب يتعامل مع السؤال حول كيفية إسهام التراث السوسي المغربي في تقوية أواصر الوحدة الوطنية داخل المغرب، وكيف يمكنه أن يشكّل صمّام أمان ضد أي انزلاق يمسّ التماسك الوجداني والأمن المجتمعي للمغرب بمختلف مكوّناته. ويرى المؤلّف أن العالم السوسي لم يكن يعيش الانفصال بين لغته الأمازيغية الأمّ، وتعلّقه الشديد باللغة العربية، وتمسّكه بثوابت الوحدة المغربية بمذهبه المالكي، وعقيدته الأشعريّة وتصوّفه السنّي، والدليل على ذلك نبوغ شعراء وأدباء وفقهاء وعلماء مؤرّخين في سوس على رأسهم العلاّمة المختار السوسي.
وأما كيف يستطيع هذا التراث السوسي أن يعضد الوحدة المغربية، فذلك يمكن أن يتمّ عن طريق نشر نصوصه المخطوطة وطباعتها ودراستها، وإبراز وجه سوس العلمي، وتعريف الناشئة بها، إذ لا يمكن مواجهة أي انزلاق إلا بالفكر، وجزء من هذا الفكر ما وضعه هؤلاء العلماء في النثر والشعر العربي الفصيح، والفقه المالكي، وحتى الأشعار الأمازيغيّة.
وفي ما يتعلّق بالحفاظ على الخصوصية المغربية والهويّة الوطنية لدى جميع علماء سوس، رغم كثير من محاولات عزلهم (الظهير البربري كنموذج)، يرى المؤلّف أنه لا يوجد سرّ في شخصية العالم السوسي، وإنما حبّه الكبير للإسلام وشغفه باللغة العربية وبمقوّمات الأمّة وثوابتها، هذا كلّه جعل صلته تتوثّق بخصوصيّته المغربية وهويّته الوطنية.. والغالب، كما يرى المؤلّف، أن ذلك تسلسل إليهم من نمط التعليم المتّبع في المنطقة (التعليم العتيق).
وحول السؤال عمّا إذا كانت المدرسة الإلغيّة لا تزال تلعب دوراً إشعاعياً في سوس؟ وما هو السبيل الى استعادتها، يشير المؤلّف إلى أن المدرسة الإلغيّة لا يزال لها إشعاعها العلمي والأدبي في سوس في سياق الدور الفكري والثقافي للمدارس العتيقة في المغرب، وهي المدرسة التي توجد في قرية «دوكادير إلغ» مسقط رأس المثقّف الكبير المختار السوسي، فما زالت تؤدّي دورها كما يراد لها، من تدريس الطلبة وإقراء العلم. أما مستقبل التعليم العتيق، فهو رهين بمدى تحمّس القيّمين عليه للدفاع عنه وإحلاله المكانة التي يستحقّها. ويشير المؤلّف إلى وجود مجهودات مشتركة بدأت الآن تثمر في هذا الباب بالتشارك بين الدولة والمجتمع المدني وهذه المدارس.  وحول ميزات المخطوط السوسي، سواء من ناحية المضمون أو الشكل، إذا ما قورن بالمخطوطات في مناطق أخرى، وكذلك مكانة اللغة الأمازيغية في المخطوط السوسي، يعتقد المؤلّف أن صناعة المخطوط في سوس لا تنفصل عن باقي مناطق المغرب، وإن كان للمخطوط السوسي خطوطه السوسية التي تفرّعت عن المدارس الكبرى للخط المغربي (الكوفي، الثلث المغربي، المجوهر، المسند، المبسوط)، بحيث نقف على خطوط محلّيّة، كما يضم بعض الأشكال الهندسية الجميلة كالزخرفة والترنجة في كتاب «دلائل الخيرات» مثلاً.. أما من حيث المضمون، فنجد مؤلّفات باللغة الأمازيغية ومترجمات منها أو إليها (المشلحات كما سمّاها المختار السوسي).. وقد برع السوسيّون في ترجمة المصادر الفقهية والعقدية والصوفية. وفي ما يتعلّق بمسألة التعريف بالمخطوط السوسي للناشئة، وكيفية ذلك، مع العلم أنه لا توجد مادة تربوية مقرّرة تهتم بدراسة هذا النوع من الوثائق التاريخية في المغرب، خصوصاً على مستوى الجامعة، يشير المؤلّف إلى أن بعض الجامعات تتوافر على وحدات خاصة في الدراسات العليا خصوصاً بالتراث المخطوط، وينبّه إلى أهميّة أن تعمّم مثل هذه الوحدات في مؤسّسات تعليمية أخرى؛ منبّهاً أيضاً إلى ضرورة استثمار التقنيّات الحديثة للمعلومات (الإنترنت خصوصاً) في نشر هذا الوعي، وإلى قيمة هذه المخطوطات؛ نسبة إلى كونها نتاج بيئة علمية (مستوى المعرفة) وفنّيّة (صناعة الكتاب المخطوط).

تعليقات