التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حوار مع الباحث في جريدة التجديد، 25/07/2013 (الحلقة 1)

ولجت المطبعة المغرب متأخرة وذلك سنة 1865م، على يد قاضٍ من تارودانت هو الطيب بن محمد التملي الروداني، ولم يطبع بها أول مصحف إلا سنة 1296هـ1879م على يد الطابع الطيب الأزرق. وقد انعكس تأخر المطبعة على طباعة المصحف الشريف الذي يعد حديثا بالمقارنة مع الدول الإسلامية كمصر وتركيا. وربما يعزى التأخر في طباعة المصحف إلى الخشية من تحريفه كما وقع لطبعتي البندقية سنة 1469م وهامبورغ بألمانيا سنة 1694م.
ورغم ذلك، فقد كانت للمغرب تقاليد عريقة في نسخ المصاحف والاعتناء برسمها وضبطها وزخرفتها، نذكر هنا مصحف السلطان أبي الحسن المريني بخطه الذي أهداه للمسجد الأقصى بالقدس، وفي العصر الحديث مصحف الخطاط زويتن المشهور بالخط المبسوط الذي طبع في مصر سنة 1347هـ/1929م، وأعادت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية طبعه بالتصوير على الأوفست.
نشير إلى أن أول مصحف طبع بالمطبعة الحجرية في فاس، والقصد بها - أي المطبعة الحجرية- حسب فوزي عبد الرزاق صاحب كتاب «مملكة الكتاب: تاريخ الطباعة في المغرب- أن يؤتى بالحجر الخاص ويرسم أو يكتب على سطحه الشيء المراد طبعه وتكون الكتابة بأقلام ذهنية وبصورة معكوسة على الحجر مباشرة، وكخطوة ثانية يبلل وجه الحجر بالماء ومن ثم يغطى بالحبر. واعتمادا على التنافر الطبيعي الموجود فيما بين المواد الذهنية وبين الماء فإن الحبر لا يلتصق على وجه الحجر إلا على الكتابة الذهنية، وهكذا يكون الحجر جاهزا لعملية الطباعة. ويعد الطابع الطيب بن محمد الأزرق الفاسي رائد طباعة المصاحف في المغرب، حيث كان له قصب السبق في ذلك وفتح الباب لمن أتوا بعده من الناشرين.
ولقد حافظت مصاحف هذه المطبعة على مختلف خصائص المصاحف المخطوطة، من حيث اعتماد الخطوط اليدوية كالخط المجوهر وخصوصا الخط المبسوط الذي عرف بخط المصاحف. كما استعملت الزخارف وأفردت عناوين السور وسط إطار واضح، إلا أن هذه المطبعة تخلت عن استعمال الألوان لاكراهات تقنية. وقد أسهمت الطباعة في توفير نسخ المصحف الشريف بأسعار مناسبة فضلا عن نشر الخط المغربي بتقاليده المعروفة، وترسيم رواية ورش عن نافع بين المغاربة ومجمل الغرب الإسلامي.
وعموما يمكن رصد 3 مراحل لتطور طباعة المصحف في المغرب وهي :
- مرحلة البدايات: اقتصرت على استعمال إمكانيات الطباعة الحجرية رغم صعوبتها ومحدودية تقنياتها الطباعية.
- مرحلة التطور:برزت جهود وزارة الأوقاف في طبع المصاحف برواية ورش، وباعتماد الخط المبسوط خصوصا، حيث أعادت الوزارة طبع مصحف أحمد بن الحسن زويتن الذي انتشر في بيوت الأسر المغربية ومعروف بجمالية خطه المبسوط. واشتهر المصحف الحسني بعناية الخطاط أحمد بن الحسين البهاوي، والمصحف المسبع بعناية سبعة خطاطين مغاربة. كما تم نشر مصحف تميز بطرافته ذلكم هو «المصحف المحمدي من ألواح الكتاتيب القرآنية» الذي يحتوي على ما يقارب 340 لوحة تحوي ستين حزبا، تم جمعها من ستين كتابا تتوزع على جميع جهات المملكة. كما تم تصوير مصحف السلطان أبي الحسن المريني. ولم يتم إغفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وتم نشر المصحف الحسني بطريقة (برايل).. فضلا عن نشر مصاحف مشتركة بين المغرب ودول أخرى مثل الكويت والإمارات. دون أن ننسى مصحف المسيرة الخضراء المشهور الذي نشر مجزءا.
وفي هذه المرحلة ايضا، تنوعت جهود دور النشر الحديثة داخل المغرب، في طباعة المصاحف بالخطوط المغربية والمشرقية، مثل دار الثقافة ودار الرشاد ودار النجاح ودار المعرفة..
- مرحلة النضج: تميزت بإحداث «مؤسسة محمد السادس لنشر المصحف الشريف»، مع استمرار دور النشر الأخرى في جهودها المطردة. وقد أحدثت هذه المؤسسة الرائدة التابعة لوزارة الأوقاف بتاريخ 8 ربيع الأول 1431 موافق 23 فبراير 2010، واضطلعت بطبع المصاحف ونشرها في المغرب وخارجه باعتناء طائفة من العلماء الجهابدة في علوم القرآن بالمغرب، وطائفة من الأطر العليا والتقنيين المهرة في مطبعة فضالة ومهرة الخطاطين والمزخرفين. اضطلعت المؤسسة في مدة قياسية بطبع المصحف المحمدي بنسخه المتنوعة شكلا وحجما بحيث وصلت إلى مليون نسخة سنويا، وهي الآن بصدد طبع المصحف المحمدي الأثري المسبّع المضبوط بالألوان المأثورة. فضلا عن طبع ترجمتي القرآن إلى الفرنسية والانجليزية. وما يلحظ على هذه المؤسسة قيامها في كل عملها على جهود مغربية صرف، مطبعة وإدارة وأطرا وخبرات علمية وتقنية، بحيث حقق المغرب اكتفاءه الذاتي في طبع المصاحف وفق الرواية المعتمدة في البلاد. وهو شيء لم يكن متحققا فيما قبل بهذا التنظيم والمأسسة والقيمة العلمية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة في كتاب “الخط المغربي”

الخط المغربي، تاريخ وواقع وآفاق قراءة في كتاب “الخط المغربي”  تأليف الأستاذين محمد المغراوي وعمر أفا  أحمد السعيدي “الخط المغربي، تاريخ وواقع وآفاق”، تأليف الأستاذين: محمد المغراوي، وعمر أفا، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء،  1428هـ / 2007م ،  191  ص من القطع المتوسط. يُعد المؤلّفان من ورثة المدرسة المدرسة المنّونية [1]  في الاعتناء بالخط المغربي، إذ عُرف عنهما المزاوجة بين البحث في تاريخيْ المغرب الوسيط والمعاصر، والاشتغال بقضايا الخطّ المغربي تنظيرا وممارسة، فالكتاب المومى إليه ثَمَرَةَ الإحساس بقيمة المنجز الحضاري المغربي على جميع الأصعدة بما فيها فن الخط. وحاصل القول أن الكتاب لا غُنية عنه لدارس الخط المغربي والعربي والباحث في قضايا المخطوطات وتاريخ الفن الإسلامي والجماليات وعلم الصورة.. ولعل المؤلفين تَمثَّلا خلال انقطاعهما لهذا العمل الرصين قول خليل في المُختصر:”وقُدِّمَ فَرضٌ   خِيفَ   فَواتُه .” تاريخ الخط المغربي وخصائصه: تطرق المؤلفان في القسم الأول “تاريخ الخط المغربي وخصائصه” إلى عرض مركّز لمسار الخط العربي م

صدر حديثا: مشاركة في كتاب جماعي عن العلامة أبي سالم العياشي

مخطوط فريد في ترجمة أبي سالم العياشي: " إرفاد الوافد القاصد" لحفيده مَحمد بن حمزة (بعد 1135ه) أحمد السعيدي جامعة ابن زهر- أكادير تلقي المقالة الضوء على مخطوط فريد  ودفين لأحد علماء الزاوية الحمزية العياشية، وهو "إرفادُ الوافدِ القاصِد، وبَرْدُ غُلَّة المسترشِد الراشِد، بإنشاد الشّارد، من شعر الجدّ والوالد، ومُشيَّد بعض الأسانيد والمَساند"، لمَحمد بن حمزة بن أبي سالم العياشي، مؤلف كتاب "الثغر الباسم في جملة من كلام أبي سالم". وقد كان هذا المخطوط في عِداد التآليف المفقودة إلى حدود ثمانينيات القرن الماضي، حيث ريء -حسب بعض الباحثين- في الخزانة الفاسية للفقيه العابد الفاسي، قبل أن يخرج إلى الوجود ويظهر في مكتبة عبد العزيز آل سعود بالدار البيضاء في أوائل القرن الحالي. ومع ذلك ظل هذا المخطوط –مثله مثل الزهر الباسم- رهين حاله الأولى ولمّا يحقق وينشر، ولعل هذه الأسطر هي أول معرّف به وواصف لما ساقه من آثار عالمي العياشية الجد أبي سالم والوالد حمزة ومن إليهما من بقية هذه الأسرة العلمية المشتهرة. وحسْبُ هذه الأسطر التعريف والوصف تمهيدا لخروج المخطوط إلى د

صدور أعمال ندوة التراث الثقافي المادي بسوس

 نشر بحث " من الخزائن التراثية بسوس، خزانة الإمام علي العامة بتارودانت" ، للباحث: أحمد السعيدي، ضمن أعمال الندوة الدولية "التراث الثقافي المادي بجهة سوس ماسة درعة"، تنسيق: محمد آيت حمزة والوافي النوحي. منشورات مركز الدراسات التاريخية والبيئية التابع للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالرباط، سلسلة دراسات وأبحاث رقم 35 ، مطبعة المعارف الجديدة بالرباط. ص 187 - 198 .