كتاب مدرسي من
سنة 1955
"اقرأ" لأحمد بوكماخ
د. أحمد السعيدي
الكلية متعددة
التخصصات- الرشيدية
المغرب
توطئة:
في أواخر عهد السلطان محمد الخامس نشطت حركة ذات بال في مجال إصلاح مناهج
التعليم وتأليف الكتب المدرسية وتقويم حالة التعليم والثقافة سواء في المنطقة
الجنوبية أو الخليفية، ومن ذلك تأسيس المجلس الأعلى للعلوم الإسلامية، وتجديد
القرويين والعناية بالتعليم العتيق، والاهتمام بتعليم الفتاة..
وفي سياق هذه التحولات شهدت سنة 1954 أو 1955 حدثا هاما تمثل
في صدور كتاب "اقرأ" للأستاذ المربي والمؤلف النابغة سيدي أحمد بوكماخ، عن
مطبعة كريماديس بتطوان (92 ص)، وهو موجه للمتعلمين المبتدئين في مواد التلاوة
والمحادثة والخط والأشغال اليدوية والرسم والمحفوظات.
يعد الكتاب من أوائل الكتب
المدرسية المغربية حيث خرّج أجيالا في مغرب الاستقلال ولا جرم أنه نال شهرة ومكانة
متميزة في النظام التعليمي -ماضيا وحاضرا- بحكم قيمته البيداغوجية والمنهجية
العالية فضلا عن انفتاحه على مستجدات التربية الحديثة.
سيسعى العرض([1])
إلى جرد الكتب المدرسية المؤلفة بين سنتي 1939 و1955 في المغرب، وتخصيص الدراسة بنموذج
كتاب "اقرأ" الذي يعدّ إحدى ثمرات العهد المحمدي، تعريفا بسياقه الذي
انتجه وبمؤلفه الذي يجهل عنه الكثير، وظروف تأليفه ونشره في تطوان سنة 1955، والفريق الذي
عمل على ذلك، مع الخلوص إلى نتائج تبتغي الاستمداد من منجز "اقرأ" الذي
لا تنكر قيمته.
الأستاذ أحمد بوكماخ (1920-1993): سيرة غير
مكتملة
من اللافت للنظر مدى الغموض الحافّ
بسيرة بوكماخ وشحّ المعلومات عنه، وكأن الرجل عاش قبل قرون وليس قبل سنوات دانية
من يومنا. وتطغى الندرة على مصادر ترجمته([2])
أيضا، بحيث لا يوجد كتاب جامع مانع لسيرته ومجريات حياته وآثاره ومواقفه.. وحتى
ترجمته في معلمة المغرب([3]) لم تؤته ما يستحقه لسببين:
-
أولا لأنه استُدرك في الملحق (ج 24)، وهذا في ذاته
إهمال لأحد رجالات المغرب المشهورين حيث كان الأولى أن يترجم له في أجزاء المعلمة
الأولى (خاصة الجزء السادس).
-
وثانيا أن اختصار حياته في أسطر
قليلة خالية حتى من صورته الشخصية إجحاف في حقه،
في حين ضمّت المعلمة ترجمات أعلام ليسوا من المغاربة ناهيك عن آخرين أقل
قدرا من المترجَم.
وقد أنقذت الندوة القيمة التي أقيمت
عن الأستاذ بوكماخ بطنجة قبل سنتين، ماء وجه البحث العلمي والتربوي، وراكمت عدة
عروض لباحثين ورجال تربية، ستشكل -لا محالة- منطلقا لبحث أكثر عمقا عن سيرته
وأعماله. ومن اللافت للانتباه أيضا عدم الاهتبال بالرجل وآثاره في أطروحة جامعية –في
حدود علمنا- فإن لم يتحقق ذلك الى الآن فقد حان الوقت لذلك.
ولا نعلم سبب هذا الازورار عن
الرجل وسيرته. واطّراح مجمل أعماله من دائرة الدراسة والتمحيص، وكأنه ليس ابن جلدتنا؟!
نذكر من مصادر ترجمته:
-
الأستاذ المربّي السيد أحمد بوكماخ، ضمن كتاب "من أعلام طنجة في
العلم والأدب والسياسة"، الجزء الأول، عبد الصمد العشاب، ص. 166-168. 2004.
-
معلمة المغرب (الملحق): 24/70. سنة 2008.
-
أحمد بوكماخ، مبدع الكتاب المدرسي
بالمغرب، أشغال الندوة الوطنية يومي 1 و2 يونيو بطنجة، منشورات الأكاديمية الجهوية للتربية
والتكوين لجهة طنجة تطوان والمنتدى الثقافي لطنجة، مطبعة ASMIR، تطوان، 2013.
-
قم للمعلم.. أحمد بوكماخ، سلسلة مقالات نشرت في حلقات
بجريدة الاتحاد الاشتراكي، للكاتب فقيهي الصحراوي، صيف 2013.
-
برنامج نوستالجيا، حلقة خاصة بالأستاذ أحمد بوكماخ،
تقديم: رشيد نيني، إنتاج القناة الثانية 2M، أبريل 2004.
-
مقالات أخرى في مواقع إلكترونية.
وتوجد
مقالات حللت بعض أعماله مثل:
-
أحمد بوكماخ مؤلفا ومترجما أو اقرأ
وترجم، رشيد برهون، ص. 87-99، في دفاتر الشمال:
فصلية ثقافية شاملة. تطوان. ع. 4، 2000.
-
من أعلام التأليف المدرسي: أحمد
بوكماخ مترجما، رشيد برهون، ص. 15-19، في: الطنجيون فصلية وثائقية دراسية تعنى بتاريخ
طنجة = Les Tangérois - ع. 5، 2003.
تشترك هذه المصادر والمراجع في
تداولها للمعلومات نفسها بخصوص سيرة المترجَم، وإن كان المخصص منها لسيرته وأطوار
حياته قليل بالموازنة مع ما تبقى، كما تفتقر الى استثمار الوثائق الخاصة بالمترجم
(رسائل وعقود، نصوص مسرحياته وآثاره بخط يده، مذكرات ودفاتر ملاحظات إن وجدت،
حوارات صحفية وصور شخصية، مسوَّدات كتبه المدرسية.. ) فهي الكفيلة بكتابة ترجمة
موسَّعة له، وما اعتُمِد هو روايات شفوية لعائلته ومعارفه وأصدقائه تخللها أحيانا
تناقض في أقوال الرواة.
ما يعرف عن سيرة بوكماخ أنه ولد في
طنجة (1920م) ونشأ بها،
وهناك من يرجّح قدوم جده من سوس. تلقى تعليمه على بعض فقهاء طنجة ومدرّسيها، كما
كان يساعد والده (الفقيه) في محل تجارته الذي ضم مكتبة صغيرة نهل منها المترجَم،
وكان يصحبه إلى مجالس الذكر والسماع.
لقاء المترجم بالعالم عبد الله كَنون
كان له أثر بالغ في مساره، حيث استدعاه للتدريس بمدرسته في طنجة والسكنى بها أيضا،
حيث نشّط الحياة المدرسية فيها بتأليف المسرحيات وإعداد فرق مسرحية من التلاميذ،
يقول في حوار معه حوار نشر في
جريدة الخضراء:"لكنني بعد العطاء المسرحي، اكتشفت أن لي قدرة على الكتابة
المدرسية. فبينها وبين الكتابة المسرحية قاسم مشترك. فالمسرح يعتمد على التركيز
والجملة القصيرة، والإيجاز وهذه العناصر لا بد أن تتواجد في النص المدرسي، لأن
الطفل لا يقبل المجاز والحشو والتطويل."([4])
في ذلك الفضاء التعليمي، تفرّغ
لتأليف "اقرأ" كما ذكر في حوار سابق. ثم صدرت السلسلة بعناية عبد السلام
جسوس وبقية فريق التأليف. كما ألف كتبا مدرسية أخرى سيأتي الحديث عنها.
استمرت السلسلة حوالي عقدين منذ
إقرارها سنة 1956، وظل المترجم
يتعهدها بالإضافة والتنقيح حيث وصلت إلى عشرين طبعة أو يزيد.
كوّن المترجم أسرة ورزق ببنتين،
وعاش بقية حياته مما يجنيه من مشاريع تجارية (كراء منازل سكنية) إلى حين وفاته
بتاريخ 20 شتنبر 1993 حسب معاصره
وصديقه الأستاذ عبد الصمد العشاب.
مؤلفات الأستاذ أحمد بوكماخ:
اشتُهِرَ بوكماخ بإقرأ والفصحى
أكثر، وقليل من يعرف أن له مؤلفات ابداعية ومدرسية أخرى ذات قيمة، وهي:
2)
القاموس المبين أو المعجم
الابتدائي الفصيح (مخطوط مفقود).
3)
اقرأ في خمسة أجزاء، ابتداء 1954 أو 1955، سيأتي الحديث
عنها قريبا.
4)
الفصحى في خمسة أجزاء.
5)
الرياضيات الحديثة، 1975.
6)
طريقة تعليم الرياضيات الحديثة، 1975.
7)
القراءة والأعمال الموجهة لأقسام الملاحظة.
8)
القراءة للجميع (محو أمية الكبار)، 1983.
9)
مقالات وحورات في صحف مغربية.
هذه بعض تآليف الأستاذ بوكماخ منها المطبوع المنشور،
ومنها المخطوط الذي فقد أو مازال في خزانته، ولا نشك في احتمال وجود وثائق هامة من
قبيل رسائله ومذكراته ومسوَّداته وغير ذلك، مما يستوجب العناية والرَّقمنة Digitalisation لأنه جزء هام من الأرشيف الوطني الذي يغني الذاكرة الوطنية.
سياق ظهور اقرأ"
حبلت الساحة التعليمية في المغرب
بكتب مدرسية([6]) ما بين سنتي 1939 و 1955، بأقلام مغربية
ومشرقية (مصر ولبنان)، شطر منها قررته وزارة التربية الوطنية على التلاميذ في
مختلف الأسلاك التعليمية، ومن ذلك:
-
دروس الإملاء، عبد الجليل
خليفــة ومحمد عزيمـان، المطبعة المهدية بتطوان، 1362هـ/1943. 57 ص.
-
التلاوة العربية،
عبد الكريم الفلوس، المطبعة الوطنية بالرباط، 1365هـ/1946. 145 ص.
-
برنامج التعليم الابتدائي
الأصلي، وضعته مندوبية المعارف الإسلامية المطبعة المحمدية بالرباط، 1366هـ/1947، 40 ص.
-
مختارات للمطالعة
الحرة، أحمد مدينة، المطبعة المهدية بتطوان، 1366هـ/1947. منشورات جمعية الطالب المغربية، 103 ص.
-
المختار في المحفوظات، محمد بن محمد
الربيع، المطبعة المهدية بتطوان، 1952-1953، في ستة أجزاء صغيرة.
-
الطريقة الحديثة،
ابن جلاني العكاري، مطبعة مايمون، تازة، 1951، 56 ص.
-
كتاب المطالعة الابتدائية للمدارس
المغربية، عبد الله العمراني،
ومحمد وهبي، المطبعة المهدية بتطوان، 1370هـ/1951. 120 ص.
-
النصوص العربية،
محمد بن عمرو الطمار، مطبعة الأمنية بالرباط، 1370هـ/1951. 258 ص.
-
الأخلاق والتربية
الوطنية، يحيى بن محمد العتيقي، 1372هـ/1953. 96 ص.
-
العلوم العصرية،
يحيى بن محمد العتيقي، المطبعة المهدية، تطوان، 1372هـ/1953. 304 ص.
-
العلوم الابتدائية،
مصطفى بن عبد الوهاب، المطبعة الحسنية، تطوان، 1373هـ/1954. 60 ص.
-
المختار الجديد في المطالعة، محمد بن محمد
الربيع، المطبعة المهدية بتطوان، 1374هـ/1955. 128 ص.
-
مفتاح أساس التعليم، عبد
الرحمن السائح، المطبعة الوطنية بالرباط، 1955. 82 ص.
ينبئ ما سلف بتداول الساحة
التربوية المغربية لمقررات عديدة تختلف في مناهجها واختياراتها، بمعنى أن الساحة
لم تكن غُفْلاً في وقت صدور كتاب "اقرأ" من تآليف أخرى.
وخلال هذه الفترة أيضا أي في أواسط
عهد السلطان محمد الخامس وأواخره، نشطت حركة إصلاحية بارزة همّت مناهج التعليم
وتأليف الكتب المدرسية وتقويم حالة التعليم والثقافة سواء في المنطقة الجنوبية أو
الخليفية، ومن ذلك تأسيس المجلس الأعلى للعلوم الإسلامية، وتجديد القرويين والعناية
بالتعليم العتيق، والاهتمام بتعليم الفتاة.. فتم إحداث "اللجنة الملكية
لإصلاح التعليم" التي عقدت أول اجتماع لها يوم 28-9-1957، وأقرت المبادئ الأربعة: التعميم
والتوحيد والتعريب والمغربة([7])، رغبة في الانتقال
بالمنظومة التعليمية إلى نمط جديد خلال عهد الاستقلال، مع العلم بأن مرحلة الحماية
عرفت تعددا في الأنماط والمدارس التعليمية مثل التقليدية والفرنسية والإسرائيلية..
كان المغرب أمام تحديات تعليمية
عديدة تمثلت في:
-
"النقص المهول في الأطر
المؤهلة..
-
تحرير التعليم من التبعية اللغوية
والإديولوجية للمستعمر..
-
النمو الديموغرافي السريع.."([8])
يلخص ذلك الجابري في قوله:"أما
بعد سنة 1944... فالكتب
المدرسية منعدمة تماما، والمعلمون أشخاص "يحسنون" القراءة والكتابة
ويحفظون شيئا من القرآن والفقه وأشعار العرب.."([9])
في هذا السياق الذي خرج فيه
المغاربة من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، صدر كتاب "اقرأ" بأجزائه
الخمسة رافعا شعار "سلسلة » اقرأ« تسمح لأطفالنا بالتقدم والاكتمال"([10])،
رغم الإكراهات الحافَّة بالإنتاج العلمي والتربوي، من حيث المصادر والمؤسسات
المتخصصة والتأهيل اللازم.. ومن ثم فهو مبادرة فردية لمؤلفه تفلت دعما من أصدقاء
يشتركون معه في الهمّ الوطني، "لقد كان الأستاذ أحمد بوكماخ، سباقا إلى لحظة
تنوير تعليمية وتربوية وتثقيفية لا تخلو من جمالية.."([11])
بقيت إشارة عنت لي هنا، وهي أننا لا
نعرف ردود فعل العلماء والفقهاء المغاربة وأعلام الحركة الوطنية تجاه صدور تلاوة
بوكماخ وبرمجتها، ولا جرم أن الصحف والمجلات الصادرة خلال أواخر الخمسينيات وأوائل
الستينيات ستضم مادة ذات بال في استقراء تلك المواقف والآراء([12]).
ببليوغرافيا
"اقرأ"
لا نعلم بالضبط في أي سنة صدر كتاب
"اقرأ"([13])،
وإن كان المرجح بين سنتي 1954 و 1955، وهذا يخالف ما ذهب اليه بعض الباحثين([14])،
ففي حوار مع المؤلف يقول فيه:"بدأت عام 1954. لقد انطلقت من التحضيري، فألفتُ
كتابا له؛ ثم انتقلت إلى الأقسام العليا، فصرت بعد كل سنتين أؤلف جزءا إلى غاية 1964".([15])
ما يعني أن العمل في السلسلة بأجزائها الخمسة استلزم عشر سنوات، بمعدل كتاب في كل
سنتين. يقول فقيهي:"فنلاحظ مثلا أن الأستاذ بوكماخ يقدّم للطبعة العشرين
لكتاب التحضيري وذلك بتاريخ 3 مارس من سنة 1963، علماً أن الطبعة الأولى صدرت سنة
1954، حسب تصريحه
لجريدة الخضراء الجمعة فاتح يونيو 1990".([16])
ويختلف مفهرسو([17])
المطبوعات المغربية بشأن تاريخ الصدور بين السنتين المذكورتين في ما يأتي:
- "اقرأ، أحمد بوكماخ، موجه للمتعلمين المبتدئين في مواد: التلاوة
والمحادثة والخط والإملاء والأشغال اليدوية والرسم والمحفوظات. مطبعة
كريماديس([18])،
تطوان، 1955 ([19])،
92 ص."([20])
- "اقرأ، تهجي، تلاوة، محادثة، إملاء، يدوية، رسم، محفوظات-
مطبعة كريماديس تطوان، العرائش، طنجة - الطبعة الثانية 1375هـ 1956م. 92 صفحة، ومطبعة كرامة طنجة 1377، 3 أجزاء، 512 صفحة، ومطبعة فضالة
المحمدية، 1371([21])، 5 أجزاء، 1150 صفحة، ودار الفكر العربي [المغربي]، 4 أجزاء، 319 ص."([22])
مهما يكن، فكتاب التحضيري الصادر
أولا كان قبيل الاستقلال في تطوان أولا ثم العرائش وطنجة والمحمدية([23])،
وتمت برمجته بموجب قرار لوزارة التربية الوطنية والشبيبة والرياضة بالمغرب. وهذه ببليوغرافيا
"اقرأ" حسب أجزائها التي صدرت تباعا:
1- اقرأ، الجزء
الأول للقسم التحضيري، نشر وتوزيع دار الفكر المغربي في طنجة، طبعة مصورة عن طبعة 1963. 160 ص.
2- اقرأ، الجزء
الثاني للقسم الابتدائي الأول، نشر وتوزيع دار الفكر المغربي في طنجة. 192 ص.
3- اقرأ، الجزء
الثالث للقسم الابتدائي الثاني، نشر وتوزيع دار الفكر المغربي في طنجة، الطبعة
السادسة منقحة، مطبعة دار أمل، طنجة، 192 ص.
4- اقرأ، الجزء
الرابع للقسم المتوسط الأول، نشر وتوزيع دار الفكر المغربي في طنجة، الطبعة
الثالثة منقحة. 320 ص.
5- اقرأ، الجزء
الخامس للقسم المتوسط الثاني، نشر وتوزيع
دار الفكر المغربي في طنجة، الطبعة الأولى، 320 ص.
وللإشارة فقد خضعت طبعات
"اقرأ" للتنقيح والاستدراك والإضافة، حيث وصلت طبعاتها الى أكثر من عشرين
طبعة منذ الظهور إلى 1963، وقد تتابعت
طبعاتها بحيث تعد السلسلة الوحيدة من الكتب المدرسية التي ما زالت تطبع وعليها الإقبال
إلى اليوم.
صُـــنّاع "اقرأ"
في كل أجزاء اقرأ نجد اسم أحمد
بوكماخ وحده على أغلفتها، صحيح أنه المشرف على العمل والقائم بأكثر أعبائه لكن
يوجد أشخاص آخرون ذكر بعضهم في مقدمات "اقرأ" وآخرون لم يذكروا حسب
رغبتهم أو لسبب آخر، ما ينبئ بصدور هذا العمل عن فريق تأليف جماعي برئاسة الأستاذ
بوكماخ، حيث قرن اسمه أحيانا بعبارة "ألفه وأشرف على إخراجه أحمد بوكماخ
معلم"([24])، نذكر من هؤلاء:
1.
أحمد بوكماخ المؤلف: هو
المشرف على العمل، ويمكن اعتباره رئيس فريق التأليف.
2.
أحمد بن الحسين البهاوي (1928-2000) الخطاط:
يذكر فقيهي هذا الخطاط ولم يقدم معلومات عنه في قوله:"وهناك متعاون آخر لا
يعرفه إلا المقربون من السي أحمد بوكماخ. وكان خطاطا بالقصر الملكي في عهد الملك
محمد الخامس وهو السي أحمد بن الحسين؛ إلا أننا لم نقف له ولا على أحد أقاربه على
أثر وأغلب الظن أنه توفي."([25])
كما يؤكد ذلك محمد شبعة في قوله:".. لأن خط الكتاب، الحروف والخطوط كانت من
كتابة المرحوم أحمد بن الحسين."([26])
وأعتقد أن المقصود هو أحمد بن
الحسين البهاوي([27]) الخطاط الشهير كاتب
المصحف الحسني سنة 1967م بأمر ملكي([28]). يقول اختار بوكماخ أحد انواع الخط
العربي يقول:"اخترت لكم خط النسخ لوضوحه"([29])،
كما استعمل خطّ الرقعة في كتابة اسم المؤلف وبعض العناوين القليلة مثل: فهرس
المواد. والملحوظ غياب الخط المغربي بأنواعه المعروفة ونقطه المختلف عن الخط
المشرقي (مثلا نقط الفاء والقاف). وقد أحسن بوكماخ باختيار خط الخطاط البَهاوي
المعروف ببراعته في الخطّين المغربي والمشرقي، حيث نسخ عدة مصاحف وألّف كراسة في
تعليم الخط([30]).
3.
محمد شبعة (1935-2013) الرسام: من
مواليد طنجة، درس الفن التشكيلي في ايطاليا واشتغل أستاذا له في الدار البيضاء
والرباط. شارك في عدة معارض وطنية ودولية. يذكر شبعة في شهادته أن بوكماخ "اقترح عليّ أن
أعينه في مواد الكتاب.. لأن هذه تقنية جديدة بالنسبة إليّ، أنك ترسم وأنت مقيد
بالحركات ومضمون الدرس، ليست المسألة إبداعا حرا."([31])
كما يذكر لقاءه به في الرباط قائلا:"كنت ألتقي بالأستاذ المرحوم بوكماخ عندما
يجيء إلى الرباط، كنا نلتقي عند أحد الاصدقاء على الخصوص في بيت المرحوم الخطاط
أحمد بن الحسين.. وكنا نتابع عملنا.."([32])
ونسوق هنا شهادة أحد التلامذة دليلة على تفاعله مع الرسوم، يقول:".. أخبرني صديق ونحن نتجاذب أطراف الحديث حول
سلسلة اقرأ، أنه لم تكن له الشجاعة الكافية، وهو تلميذ، لتصفح النص المتعلق بأحمد
والعفريت. كان يخاف أن يترك العفريت اللعب مع أحمد ويخرج من الصفحة ليرتمي عليه."([33])
- أحمد
الحرشني([34])
(1929-1992) المترجم:
درس في طنجة وتطوان وله ولوع
باللغات الاجنبية حيث أتقن عددا منها، عمل مدرسا وما، كما كتب القصة والمقالة ونشر
في مجلات الانوار ورسالة المغرب ولسان الدين والأنيس. ساعد بوكماخ في ترجمة نصوص
أجنبية نشرت في "اقرأ"، يقول عنه:"وبعد، فلا بد هنا من كلمة شكر أزفها خالصة إلى صديقي
الأستاذ أحمد الحرشني الذي تفضَّل فأهداني مجموعة قيمة من النصوص الانجليزية
والفرنسية معرَّبة بأسلوبه الرشيق. وقد استعنت بتلك النصوص على تحضير بعض مواد هذا
الجزء."([35])
ويعتبر فقيهي الصحراوي بأنه:"كان من بين المغاربة القلائل الذين يتكلمون أكثر
من لغتين؛ إذ كان يكتب ويتكلم اللغات الفرنسية والإسبانية والانجليزية، إضافة إلى
العربية طبعا، وهو الذي كان يمد السي أحمد بوكماخ بالنصوص التي كان يحتاج إليها
مترجمة من هذه اللغات."([36]) ولا يمكن الجزم بأن
الحرشني هو وحده المترجم، بل لعل بوكماخ نفسه قام بذلك حسب أحد الباحثين([37]).
- عبد السلام جسوس الطِّبّيع: متعهد الكتاب بالطباعة والنشر والتوزيع منذ الجزء
الأول، ومقاول في الطباعة والنشر، لم يفتأ الاستاذ بوكماخ في شكره والتنويه
بعمله كقوله:"كما يسرني أن أنوه بالمجهود القيم الذي بذله أخي الناشر: السيد
عبد السلام جسوس، والنفقات الباهظة التي تحملها من أجل إخراج الكتاب على هذه
الصورة الجميلة، قصد بذلك - مخلصا - خدمة اللغة العربية والناشئين من أبناء
المغرب الجديد."([38])
وفي موضع آخر:" أعزائي الصغار، اُشكروا معي أخاً لنا جميعاً هو: السيد عبد السلام
جسوس، الذي لا يكاد يسمع مني التماسا في تحسين كتابكم هذا، حتى يبادر إلى
إجابتي مهما كلفه ذلك من جهد أو مال، جزاه الله أحسن الجزاء.."([39])
- أحمد الشنتوف (الفنان المسرحي والكاريكاتوري):
لم أقف سوى على نتف عنه في مواضع
إلكترونية منها مقالة ذكرت اشتغال "أحمد بوكماخ مع الفنان التشكيلي محمد شبعة، والفنان المسرحي
والكاريكاتوري المرحوم أحمد الشنتوف." ([40])
ولا يجب أن ننسى فضل الفقيه الأديب
عبد الله كنون في إخراج السلسلة، حيث ساعد المؤلف بوكماخ ومكّنه من التدريس في
مدرسته ابتداء من سنة 1936، كما استفاد من مكتبة المدرسة في اعداد مؤلفاته
المدرسية. كانت الأسباب متّصلة بين الرجلين وكان بوكماخ مدينا لأستاذه بذلك الفضل
في إهداء بخطه على نسخة من "اقرأ" يقول:"إلى استاذي العالم المربي
سيدي عبد الله كنون أتشرف بإهدائكم مجهودا متواضعا ممنونا لمؤسستكم المزدهرة، التي
من أجل خدمتها بذلت هذا المجهود، راجيا دعاءً صالحا لتلميذكم المخلص."([41])
خلاصات وتوصيات:
لم يقيّض لي النهل من كتب بوكماخ
في دراستي الابتدائية، حيث ولجت القسم التحضيري سنة 1985، ولكن أتيحت لي الفرصة لاقتناص
لحظات رائعة من كتبه التي درس فيها إخوتي الذين يكبرونني وأودعوها خزانة بيتنا.
والحق يقال، فهناك قرأت كثيرا من النصوص الأدبية، وعرفت أسماء كاتبيها لأول مرة
وتراجمهم مثل الجاحظ والهمداني وابن بطوطة وأحمد شوقي وأحمد أمين وعائشة بنت
الشاطئ وعبد المجيد بنجلون وأحمد الصفريوي.. كتب بوكماخ وجهتني إلى كتب كل هؤلاء
حيث قرأتها فيما بعد. ويحق للأستاذ بوكماخ بعد النجاح والانتشار المتحققيْن لكتبه
المدرسية، أن يَكْمَخَ بأنفه إكماخا([42])،
أي يشمخ ويرفع رأسه، ولكنه بخلاف ذلك كان متواضعا ارتضى لنفسه الخمول لا الظهور،
يقول أحد الباحثين:"وأكاد أجزم أن عدد الذين يعرفون »زوزو يصطاد السمك» أكثر بكثير من عدد أولئك الذين يعرفون »هاملت« أو أوديب»".([43])
علي أي، يمكن الخلوص غِبَّ ما سلف
إلى الخلاصات الآتية:
-
أسدى الراحل الأستاذ أحمد بوكماخ
خِدْماتٍ جليلة لبلاده، حيث خرجّت كتبه أجيال ما بعد الاستقلال، حيث أسهم في بناء
الدولة الحديثة ومغربة أطرها وتثقيف رجالاتها.
-
استطاع بوكماخ من خلال استثمار
شبكة علاقاته مع مثقفي طنجة وفنانيها، إتاحة كتاب مدرسي ذا بال، متحديا مصاعب فجر
الاستقلال العديدة، كما فتح الباب أمام مغربة المقررات المدرسية أمام الجيل اللاحق
من المؤلفين ورجال التربية.
-
تصدر كتب الراحل بوكماخ عن وطنية
صادقة([44])، وتكوين جيد واطلاع واسع،
ورؤية تربوية ثاقبة مستمدة من ممارسة ميدانية، وهي صفات أثمرت نجاح مشروعه ورواجه
الغير المسبوق مدة عشرين عاما، وهو ما لم يتوافر لغيره من الكتب رغم تطور
الامكانيات وانتفاء المعوقات.
-
صدور اقرأ في سياق عرف وجود كتب
أخرى، يعزز معطى أفضليته على غيره وتوسله برؤية جديدة لم تكن في ما سبقه من
المناهج، وأكثر من ذلك أنه مغربي في كليته مؤلفا وطِبّيعا وخطاطا ورساما ومترجما،
وهو أمر وجب التنبه إليه، إذ يدل على بداية مغربة الإنتاج المعرفي في البلاد،
وتحقيق الاكتفاء في مجالات عدة بما فيها التدريس والتكوين والبحث فيما بعد.
-
ما زال قدر غير هين من الغموض
يكتنف سيرة، وهذا راجع إلى تنكُّب الباحثين الأكاديميين وغيرهم البحث فيها، وذلك
باستثمار محتويات خزانته والرصيد الصحفي الصادر على عهده.
-
في ظل الحديث عن أزمة التعليم في
المغرب، ورغبة الكل في الرقي بمنظومتنا التربوية، آن الأوان للاستمداد من تجربة
بوكماخ الرائدة على الصعيد القيمي قبل الشكلي والفني والمنهجي.
أما قصدي بهذه التوصيات فليس الإتيان
بها فحسب، ولكن بغيتي أن يخرج الأستاذ المربي والوطني الصادق أحمد بوكماخ، من
الخفاء إلى العلن، وأن يعاد إليه الاعتبار لأنه نسي كما تنسى وثيقة نادرة في
إضبارة مهملة، ومن ذلك:
-
في ذكرى مرور ستين سنة على صدور
اقرأ (1955-2015) اقترح برمجة
احتفالية ثقافية بالمؤلَّف والمؤلِّف – بحول الله- في المعرض الدولي للكتاب المقبل
بالدار البيضاء، وتخصيص قاعة تحمل اسمه جريا على عادة وزارة الثقافة مع أعلام
مغاربة آخرين في دورات المعرض السابقة.
-
جمع تراث الراحل بوكماخ ورقمنته،
وأدعو مؤسسة الأرشيف الوطني للقيام بهذه المهمة السامية.
-
إنشاء موقع إلكتروني عن الراحل يضم
كل ما له صلة به، ويكون مرجعا لكل باحث ومهتم.
-
إنجاز فيلم وثائقي عن الراحل، يوثق
لمجمل مراحل حياته، ويعرف الأجيال الحالية بأحد رجال التربية الكبار في البلاد.
ملحــــــــــق:
v نص "تحرير
الوطن" من كتاب "اقرأ"، الجزء الثاني:
"حكت الجدة لحفيدها فقالت: في
قديم الزمان، احتلت جيوش أجنبية بلادا عربية؛ وكان من اهل تلك البلاد، شاب وطني
يعلّم في مدرسة ابتدائية، فأقسم أن يحرر بلاده من الاستعمار. وهكذا ترك المدرسة،
ولجأ إلى الجبال، حيث أخذ يدرب إخوانه الوطنيين على أعمال الفداء. وكان للوطنيين
حيل عجيبة في حرب المستعمر؛ حتى أصبح كل معمر يتمنى أن يغادر تلك البلاد، قبل أن
يفقد حياته؛ واستمر الوطنيون يجاهدون حتى تحرر وطنهم من الاستعمار، ونال
الاستقلال. وأراد ملك تلك البلاد أن يكافئ المعلم على جهاده، فلم يقبل، وفضّل
العودة إلى المدرسة، ليعلم تلاميذه كيف يكونون وطنيين مخلصين."([45])
v صور من كتاب
"اقرأ"
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
مصادر ومراجع:
- مواقع إلكترونية:
-
الصورة التربوية
في الكتاب المدرسي المغربي، جميل حمداوي، مقالة منشورة على موقع الألوكة: http://www.alukah.net/social/1006/61957/#_ftn1
-
مقالات "قم
للمعلم" في موقع جريدة الاتحاد الاشتراكي: www.alittihad.press.ma
- مطبوعات:
-
أحمد بوكماخ،
مبدع الكتاب المدرسي بالمغرب، أشغال الندوة الوطنية يومي 1 و 2 يونيو بطنجة، منشورات الأكاديمية
الجهوية للتربية والتكوين لجهة طنجة تطوان والممنتدى الثقافي لطنجة، مطبعة ASMIR، تطوان، 2013.
-
أحمد بوكماخ مترجما، رشيد برهون، مجلة "الطنجيون"،
ع. 5، 2003.
-
أضواء على مشكل
التعليم بالمغرب، محمد عابد الجابري، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، 1973.
-
اقرأ، أحمد
بوكماخ، الأجزاء: 1. 2. 3. 4. 5، دار الفكر المغربي، طبعة جديدة عن دار النشر المغربية بالدار البيضاء، 2010.
-
تاريخ
الوراقة المغربية، صناعة المخطوط المغربي من العصر الوسيط إلى الفترة المعاصرة،
محمد المنوني، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، 1412هـ/1991م.
-
الخط
المغربي تاريخ وواقع وآفاق، عمر أفا ومحمد المغراوي، منشورات وزارة الأوقاف
والشؤون الإسلامية مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء، 1428هـ/2007.
-
قم للمعلم.. أحمد بوكماخ، فقيهي الصحراوي، سلسلة مقالات
نشرت في حلقات بجريدة الاتحاد الاشتراكي، صيف 2013.
-
معجم المطبوعات المغربية، إدريس بن الماحي الإدريسي
القيطوني، تقديم عبد الله كَنون، مطابع سلا، 1988.
-
أحمد بوكماخ (ترجمة)، محمد بلعربي،
في معلمة المغرب، ج 24، من إنتاج
الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، سلا، 2008.
-
من أعلام طنجة في العلم والأدب
والسياسة، الجزء الأول، عبد الصمد العشاب، منشورات المجلس العلمي المحلي بطنجة،
مطبعة الطوبريس، طنجة، 1425/2004.
-
المنشورات المغربية منذ ظهور
الطباعة إلى سنة 1956، لطيفة الكندوز،
منشورات وزارة الثقافة، مطبعة دار المناهل بالرباط، 2004.
- برامج تلفزية:
-
برنامج نوستالجيا، حلقة خاصة بالأستاذ أحمد بوكماخ،
تقديم: رشيد نيني، إنتاج القناة الثانية 2M، أبريل 2004.
([12])- يقول الجابري
- منتقدا مقرر العربية ولم نتأكد من أنه يقصد نصوص بوكماخ بالضبط-:".. تدرس
العربية نحوا وصرفا، قراءة وكتابة بشكل فوضوي، وبنفس الطريقة العتيقة، مع الاختلاف
في الشكل والمظهر فقط. (في دروس العربية ينفرد المغرب بما يسمى بـ »شكل القطعة« وتخصص له حصة الاسد من دروس القواعد..
ولحد الآن لم نسمع عن دراسة خاصة بهذا الاسلوب الذي يتبعه المغرب وحده، وكأنه افضل
الطرق لتعليم العربية.) أضواء على مشكل التعليم: 88.
تعليقات
إرسال تعليق