بِاسمِ
اللهِ الرَّحمانِ الرَّحيم. وَصَلـّى اللهُ عَلى سَيِّدِنا وَمَولانا مُحَمَّد،
وَعَلى ءالِهِ وَصَحبِهِ وَسَلـَّم
وَبَــــعد:
طالـَما
شـَكا عـُلـَماءُ المَغرِب، في كُلِّ طَبَقـَةٍ مِن طَبَقاتِهِم، مِن أُفولِ
شـَمسِ العِلمِ بَعدَهُم، وَتـَـصَوَّروا لَهُ نِهايَة ً قـَريبَة؛ تـَـنتـَهي
بِنِهايَتِهِم هُم. تـَـصَوَّروا ذالِك، لـِشِدَّةِ ما رَأَوْا في زَمَنِـهِم مِنَ
الإقبالِ عَـلى الدُّنيا، وَالإعراضِ عَنِ العِلم، وَإهمالِهِ وَإخمالِه،
وَمُناكَدَةِ أَهلِه، وَالتـَّضييقِ عَلـَيهِم في مَعاشِهِم، وَالاِستِخفافِ
بِمَقامِهِم، وَمِنَ الاِنصِرافِ إلى العاجِلـَة؛ يَعِــبّونَ مِن كَأسِها
عَــبّا، وَمِن نِسيانِ الآجِلـَة. وَإنـَّهُم لـَمُحِقـّونَ في هاذا، وَلم
تـَـكُن لِـتـَزيدَهُمُ الأَيّامُ وَتـَقـَلـُّباتـُها إلاّ يَقينًا عَلى يَقين.
لاكِنَّ
في الزَّوايا خـََـبايا، وَفي الرِّجالِ بَقايا، وَفي كُلِّ زَمَنٍ شـَمسٌ
تـُشرِق، وَأُخرى تـَغرُِب.
لـَم
يَحبُ اللهُ بـِفـَضيلـَةَ الإقبالِ العِـلم، وَالاِشتِغالِ بـِه، إلاّ الخاصـَّة
َ مِن عِـبادِه، وَهُم قـِلـَّة ٌ قـَليلـَة، مَهما تـَـكاثـَروا. لِذالِكَ
حَــقَّ لِلعُلـَماء، أن يَتـَـصَوَّروا ما شاءوا، مُحِقـّينَ أَو واهِمين.
مِن
هاؤُلاءِ العِباد، د. أحمَدُ السَّعيدِيّ، السّوسِيُّ ثـمَّ الرّودانِيّ،
اَلإلغِيُّ الأَصلِ وَالفـَصل.
في
بَيتِ عِلمٍ وَفـَضلٍ نـَشَـأَ وَتـَـرَعرَع. وَما أَن أَحرَزَ الإجازَة َ مِن
كُلـِّـيَّةِ الآدابِ بـِالرِّباط، حَتـّى كانَ مِن هاؤُلاءِ المُشــتـَـغِلينَ
بِالعِلم، اَلمُكِبّـينَ عَلـَيه، اَلمُتـَـهَمِّمينَ بـِه، اَلمُنقـَطِعينَ
إلـَيه، اَلهائِمينَ فيه، عَلى قـَدرِ حالِهِم، وَما تـَجودُ لـَهُم بِهِ
الأَيّام.
وَما
أن أَحرَزَ إجازَتـَـهُ في اللـُّغـَةِ العَرَبِيَّة، حَـتّى كانَ مِنَ
المُشتـَغـِلينَ بِالكِتابَةِ وَالبَحث، في بَعضِ مَجَلاّتِ بَلـَدِهِ تارودانت،
وَحَـتّى كانَ قـَد شـَقَّ طَريقـَهُ إلى خِدمَةِ التـُّراثِ المَغرِبِيّ،
وَاختـُصَّ مِنهُ بِالتـُراثِ السّوسِيّ، وَقـَد شـَغـَفـَهُ حُبّا.
هاكَذا
عَرَفتـُهُ طالِبًا في سِلكِ الدِّراساتِ العُليا، بِكُلـِّيَّةِ الآدابِ
بٍالرِّباط. فـَقـَد جاءَ مِن بَلـَدِه، وَفـَتيلـَتـُهُ مُزَيًّـتـَة، تـُؤذِنُ
بِاتـِّـقادِ سِراجـِه، إن شاءَ الله، فيما يُستـَـقبَلُ مِنَ الأَيّام.
وَأَدرَكتُ ذالِكَ فيه، مِن أَوَّلِ مُجالـَسَةٍ أو مُسايَرَة.
وَشاءَ
اللهُ أَن يُتابِعَ أحمَدُ السَّعيدِيّ، طـَريقـَه، فـَيُحَـصِّـلَ عَلى
الدُّكتوراةِ مِن كُلـِّـيَّةِ الآدابِ بِتـِطوان، بَعدَ جَهدٍ وَعَـناءٍ في
مُقارَعَةِ تـَحقيقِ "مُتـرَعاتِ الكُؤوس"، لِلأُستاذِ العَلاّمَةِ
الشـَّيخ، مَفخـَرَةِ المَغرِب، وَحُجَّتِهِ عَلى أَهلِ المَشرِق، مُحَمَّدٍ
المُختارِ السّوسِيّ، وَهُوَ في كُلِّ ذالِك، مُشتـَـغِلٌ بِما يَعنيه، تارِكٌ
لِما يُعَنـّـيه، صَبورٌ عَلى البَحث، ذو أَناةٍ وَرَوِيَّة، وَفِيٌّ
لِأَساتِذَتِه وَأَقرانِه، بارٌّ وَحَفِيٌّ بِهِم، عَفيفُ اللِّسانِ وَالقـَلـَم.
وَفيما
بَينَ الحُصولِ عَلى الإجازَة، وَبَينَ الحُصولِ عَلى الدُّكتوراة، كَتـَـبَ
الأَبحاثَ وَالمـَقالات، وَحَقـَّـقَ كُـتـُـبًا وَفـَهرَسَ أُخرى، وَعَمِلَ عَلى
نَـشرِها، بِحَسَبِ الوُسعِ وَالطّاقـَة، وَشارَكَ في مَجالِسَ عِلمِيَّة، داخِلَ
المَغرِب، وَخارِجَه، عَلى فـَتاءٍ في السِّن، وَكَثرَةِ أَشغال. فَـَكانَ بـِدعًا
بَينَ عامـَّةِ شـَبابِ أَهلِ البَحثِ العِلمِيّ، إلاّ مَن رَحِمَ رَبُّك.
وَمِن
هاذِهِ الأَبحاثِ المُتـَـعَدِّدَةِ المُوَثـَّقـَة، اِجتـَمَعَ كِتابُهُ هاذا،
بَينَ فـَرْثٍ وَدَم، لـَـبَـنًا طـَـيِّـبًا سائِغـًا لِلشّارِبين؛ فيهِ دِراساتٌ
تاريخِيَّة ٌ اجتِماعِيَّة، ودِراساتٌ ثـَقافِيَّة.
لـَم
يَشَأ د. أحمَدُ السَّعيدِيّ، أن يَكونَ كِتابُهُ هاذا، كُشكولاً يَجمَعُ الغـَثَّ
وَالسَّمين. بَل أَبحاثُ الكِتابِ وَفـُصولـُه، سِمانٌ لا غـَــثَّ فيها. وَلاكِن شاءَ
لـَهُ أَن يَكونَ ديوانًا مِنَ الأَبحاثِ يـَنتـَـظِمُهُ خـَيطـٌ رَفيعٌ مِن
حَرير. ذالِكُمُ الخـَيط، هُوَ سوسُ، وَثـَقافـَـتـُها وَمُجتـَمَـعُها. فـَكان.
وَشاءَ
لـَهُ أَن يَكونَ ديوانًا مِنَ الأَبحاثِ يـَنتـَـظِمُهُ خـَيطـٌ مَتينٌ مِن
كَـتـّـان. ذالِكُمُ الخـَيط، هُوَ المَنهـَجُ العِلمِيُّ الرَّصين، وَالتـَّوثيقُ
العِلمِيُّ المَضبوط، وَالنـَّتائِجُ العِلمِيَّة ُ المُستـَـنبَطَة. فـَكان.
"وَما
تـَـشاءونَ إلاّ أن يَشاءَ الله".
وَقـَد
أَعاذَهُ اللهُ وَأَعاذَ كِتابَه، مِن شـَيطانِ العَصَبِيَّةِ وَالشـُّعوبِيَّة،
فـَلا تـَرى في الكِتابِ إلاّ قـَلبـًا عامِرًا وَمُفـعَمـًا بـِالمَحَبَّةًِ
لِـبَلـَدِهِ سوس، تـَفيضُ مِنهُ مَحَبَّة ٌ غامِرَة ٌ لِكُلِّ المَغرِب، وَلِكُلِّ
دارِ الإسلام، وَلِكُلِّ الإنسانِيَّة، كَما تـَـفيضُ العُقولُ بَعضُها مِن بَعض
عِندَ الفارابِيّ، وَتـُـتـََرجِمُ حالـَها بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبين.
كانَ
المُختارُ السّوسِيّ، قـبلَ أَمـَدٍ مِنَ الزَّمان، قـَد شـَرَعَ في هَزِّ
النـَّخلـَةِ السّوسِيَّة، لَعَلـَّها أَن تـُسقِطَ الرُّطَبَ الجَنِيّ، عَسى أَن يَـقـتـَـدِيَ
بـِها كُلُّ نـَخيلِ المَغرِب. وَرأى ذالِكَ الهَــزَّ المُثمِــرَ واجِبًا ما
بَعدَهُ واجِب، وَلا بَينَ يَدَيـْه واجِب. فَقال في مُترَعاتِ الكُؤوس: "طالـَما
خـَبَـبـْـت، أَيـُّها اليَراع، حَولَ الفـُقـَهاءِ وَالرُّؤَساءِ السّوسِيّــيـنَ
وَوَضـَعت... وَقــَد ءانَ لـَـكَ أن تـُؤَدِّيَ ما عَـلـَيكَ مِن حُقوقٍ واجِبَةٍ
لِلأَدَبِ وَأَهلِه".
وَها
قـَد طالَما خـَبَّ يَراعُ د. أحمَدَ
السَّعيدِيّ، وَوَضَعَ في تـُراثِ سوسَ وَغـَيرِ سوس، باحِثـًا وَمُنـَقـِّــبًا
وَمُستـَطلِعا، غـَـيْـرَ هَيّابٍ وَلا وَجِل، وَلا مُستـَـصعِبٍ مَسلـَكًا أو
طَريقا، مَأجورًا غـَيرَ مَأزور. وَهَزَّ
جِذعَ النـَخـلـَةِ السّوسِيَّة، هـَزًّا رَفيقـًا مُستـَـبصِرا، شأَنَ أَهلِ
العِلمِ وَالحِلمِ وَالأَناة، فـتـَساقـَطَ عَلـَيهِ بَعضُ ما فيها مِنَ
التـَّـمرِ الشـَّهِيّ، وَالرُّطـَـبِ الجَنِيّ، فـَأدّى بَعضَ ما لـَزِمَـهُ مِن
حَقٍّ وَواجِبٍ لِلأَدَبِ وَأَهلِه، أو هاكَذا يُخـَيَّــلُ إلـَيّ.
وَإنـَّــكَ
لـَواجِــدٌ عِندَهُ مِن ذالِكَ ما شِئت. فـَقـَــلـِّبِ الكِتاب، ظـَهرا لِبَطن،
وَبَطنـًا لِظَهر، وَفـَـتـِّـِشهُ تـَـفتيشا، تـَظـفـَرْ بـِمُرادِكَ وَمُرادِ
العَلاّمَةِ المُختارِ السّوسِيِّ مِنه. وَأَنا الكَفيلُ لـكَ بِهاذا. وَأنتَ
الرّابِحُ في كُلِّ الأَحوال، يا مَن أَنعَمَ اللهُ عَلـَيهِ بِنِعمَةِ
القـِراءَةِ وَالمُطالـَعَة، وَرَزَقـَهُ نِعمَة َ العَقلِ وَالفـَهم، وَحَبَّبَ
إلـَيهِ العِلمَ تـَحبيبا. وَالحَمدُ لِلَّهِ بَدءًا وَخِتامـا.
أ.د.
جَعفرُ ابنُ الحاجِّ السـُّلـَمِيّ
رَأسُ
الطَّرفِ مِن مَحروسَةِ تِطوان،
في
رابِعِ ذي القِعدَة، 1431 هـ.
تعليقات
إرسال تعليق