التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مقال: جنوب المغرب في الرحلة الفرنسية. نموذج تافراوت

(نشر في مجلة الثقافة المغربية تصدر عن وزارة الثقافة بالمغرب، العدد 35، السنة 2011.)


1.إضاءة أولى
 لابدّ مِن الإشارة إلى أنّ اِختيارَ مُصطلح الهَدْم في عُنوان هذه الدراسة ينفصِلُ – اِنسجاماً مع ما يقتضيه موضوعُ الانفصال مِنْ مُتأمِّلِه – عَنْ عَدِّ الهَدْم طرفاً ضِمْنَ ثنائيةٍ يُمَثلُ البناءُ طرَفها الثاني. لا يتعلّقُ الأمرُ بطرَفيْن مُتقابليْن، وإلاّ اِنطوى مُصطلحُ الهَدْم على فِكر عَدَمي عاجز عن البناء. ما نَرُومُ الاستدلالَ عليه ينطلِقُ مِنَ الوعي بالإمكان التأويلي الذي يُتيحُهُ الانتقالُ من التقابُل إلى نمطٍ آخر مِنَ التواشج. وجْهَة الانتقال مُختبَرُ أسئلةٍ فكرية خصيبة واِنتسابٌ إلى نقدٍ مفتوح ومُتعدِّدِ الجَبهات.
 التوسُّلُ بهذا المُصطلح، في العنوان، ينهضُ على الخلخلةِ التي مَسَّت الحمولة الميتافيزيقية لِزوْج الهَدْم والبناء، بما مَكّنَ مِنْ فكِّ الارتباط مع الفِكر العَدَمي، الذي يظلُّ بمنأى عن رهان استراتيجية الانفصال. فالاستهداءُ بهذه الخلخلة مُنطلقٌ رئيسٌ للاقتراب مِنَ الهَدْم بوصفه بناءً ومِنَ البناءِ بوصفه هَدْماً، على نحو يجعلُ الهَدْمَ مُنتسباً إلى استراتيجية الانفصال، لأنّ البناء، الذي لا يقومُ على هدمٍ يَسْكنُه وينخره من الداخل، مُهدَّدٌ بتكريس الاتصال.
توطئة:
"في يوم أحدٍ من ربيع 2010 بسوق سيدي إفني الأسبوعي الكائن بالمطار الإسباني السابق، بينما كنت أتبضع رأيت ثلاث سائحات شابات يتحدثن اللغة الانجليزية وينتقلن بين المحلات المنصوبة لتوها، كنّ شغوفات جدا شأن أي غربي بالعتيق: الأثاث والحلي والألبسة.. وقفن عند بائع أثواب صحراوية: عمامات وحلي ونقود.. وكان ابتهاجهن ظاهرا للمتسوقين إلى حدود أن عددا منهم توقف للمشاهدة وأنا منهم.. قفزت إحداهن إلى جوار البائع الأسمر ذي اللباس الصحراوي الأزرق لأخذ صور تذكارية، وتجرأ البائع فوضع العمامة على رأسها ووجهها بحيث لا يظهر سوى عيناها، ووضع يده على كتفها، هتفت الأخريان وضحكن جميعا، والتقطن صورا كثيرة." لا تهمّ النهاية، لأن السائحات لم ينهين العرض باقتناء شيء. البحث عن المغرب في الغرب هو بغية هذا المقال، كيف نظرت هؤلاء الشابات إلى كل شيء في المكان من البائع إلى السوق إلى المدنية والمدن الأخرى.. هل ما زال الاستشراق يُمارس؟ وهل "الاقتباس الترميمي للسلطة المرجعية السابقة"(2)–بتعبير ادوارد سعيد- حاضر في استيعابه للشرق عموما وللمغرب خصوصا؟ سننطلق من هذه الأسئلة وغيرها في التقصي عن فضاء تافراوت في رحلتين فرنسيتين معاصرتين.


الرحلة الفرنسية إلى سوس:
كانت منطقة سوس آخر ما احتُلَّ في المغرب وذلك سنة 1934، إذ لم يلبث الاحتلال ثمة سوى ما يزيد عن عقدين بقليل بعد اعتماد سياسة التهدئة la pacification التي رآها المحتل أسلم لمرحلة ما بعد تحطيم القبيلة Détribalisation. هذه الوضعية المختلفة بالنسبة لمنطقة سوس عن المناطق الداخلة في عِداد السياسة الحمائية، جعلها مختلفة عن المراكز التي أشبعها ضباط الاستعلامات وقبلهم الرحالة والمستشرقون بحثا. ويؤكد هذا أحد الأنثربولوجيين الأمريكيين في قوله:"لقد اخترنا هذه المنطقة سوس بالأساس، لأنها وعلى خلاف مناطق المغرب الشمالية الغنية، لم تحظ باهتمام السلطات الاستعمارية الفرنسية خلال القترة الممتدة من سنة 1912 إلى سنة 1956. ومن ثم ظلّت في اعتقادنا أقلّ تحوّلا من الناحية الثقافية والاقتصادية. ولذلك نفهم كيف أن هذه المنطقة لم تحظ إلى الآن إلا بقليل من الاهتمام من قِبَلِ المختصّين في العلوم الاجتماعية من الأوربيين والأمريكيين."(3)

مهما يكن من أمر، فإن الرحالين الغربيين خصوصا الفرنسيين4 كتبوا نصوصا رحلية عن سوس، ويمكن التمييز بين ثلاثة أصناف في الرحلة الفرنسية المعاصرة إلى سوس:

§ رِحْلات قبل الحماية: كتبها رحالون اختلط عندهم التبشير بالاستشراق وحب الاستكشاف، على رأسهم شارل دو فوكو.
§ رِحْلات إبان الحماية: كتبها ضباط الاستعلامات العامة بالفرنسية خريجو معهد الدراسات العليا بالرباط، من هؤلاء: جوستنار وجورج سبيلمان G. Spillman (جورج دراكَ)، وبول شاتنييغ Paul Chatinières، ودو لابواسيير De la Boissière، وجان  شومي Jean Chaumeil، شارل دومنيك Charles Dominique، ودو بلمار De Bellemare، و مارك دو مازيير Marc de Mazières...
§ رِحْلات ما بعد الحماية (فترة التاريخ المباشر أو الراهن): كتبها رحالون سياح في الفترة المعاصرة مثل بيير لوكو. 
نلحظ مما سلف، أن الرحلات الحمائية كثيرة بالموازنة مع غيرها، وما دامت تافراوت بغيتنا، فقد حصلنا على رحلتين تتعرضان لها، الأولى للرحالة دو مازيير تقع إبان الحماية في أواسط القرن العشرين، والثانية للرحالة لوكو خلال أواخر القرن، وكلاهما رحالتان فرنسيان، انتقلا بالرحلة من الفعل الجغرافي إلى المستوى الكتابة الأدبية. وسنقف فيما يأتي على منظوريهما لتافراوت بين زمنين.


نبذة عن بيير لوكو Pierre LE COZ
شاعر وروائي فرنسي. ولد سنة 1954. له رِحْلات كثيرة إلى المغرب. نشر كتاباته الأولى الشعرية والنثرية سنة 1993 في المجلة الفرنسية الجديدة. في سنة 1995، نشر كتابه "مدينة وردية وسوداء" الذي يستحضر فيه طفولته في تولوز. وضمن منشورات لاكي laquet صدرت له ثلاثية(5) عن مدن المغرب: تارودانت ومراكش والصويرة هي: 
1. L’éternité à Taroudannt (1999).
2. Les silences de Marrakech(6) (2001).
3. Les feux d’Essaouira (2002).
حاز كتابه "الجانب الآخر من اليوم" l’Autre versant du jour جائزة برومثيوس سنة 2007. وتعد كتاباته محاولة للوصول إلى وعي جديد للمناطق الحضرية من خلال بعديْ التيه والمنفى، كما أنه شغوف باكتشاف المدن المغربية العتيقة.


من مؤلفاته  الأخرى(7):
Fictions:
Les Bords du Monde, Apogée, 2008
La ville rougeLa part commune, 2008
L’Autre versant du jour, Le Rocher, 2007 - Prix Prométhée
La Saison Spirituelle, La part commune, 2007
Le Rêveur de Margeride, La lauze, 2007
Le Fleuve des morts, Apogée, 2006
La Nuit de Jaïsalmer, Le Laquet, 2004
La Tanière du soleil, Apogée, 2004
L’Extase au noir, Apogée, 2003
Toulouse, la chambre et le fleuve, Le Laquet, 2002
Plein Sud, Arléa, 2001
Une ville rose et noire, Fleuve Noire, 1995

Voyages :
Bordeaux, les miroitements du temps, Pimientos, 2008
La Ruche, Nicolas Chaudun éditeur, 2007
Visite en Aveyron, Loubatières, 2007
Le Piéton de Marrakech, Rando éditions, 2007
Triptyque Sud-marocain, Pimientos, 2007
Finistère, le royaume d’Occident, La part Commune, 2006
Auvergne, la source de l’espace, Loubatières, 2005
Voyage au cœur de Rouergue, Loubatières, 2003
Maroc, cirque de Taghia et hauts plateaux, Les Imaginayres, 2003
Le Piéton de Toulouse, Rando éditions, 2000, rééd 2005
Essais :
L’Europe et la Profondeur, Loubatières, 2007
Vermeer ou l’action de voir, en collaboration avec PE Laroche, La Lettre volée, 2007


كتاب الأبدية في تارودانت(8):
يركّز لوكو في "الأبدية في تارودانت" (123 صفحة من القطع الصغير، دار نشر لاكي، 1999) على استكناه فضاء المدينة من حيث الناس والعادات والأشياء.. إنها مدينة ذات حسٍّ فردوسي واقعة بين قيظ الصحراء وتألق البحر – كما يقول.
باختصار، تحبل هذه الرحلة الفرنسية الحديثة بصور عديدة عن مدن الجنوب المغربي العتيقة (تارودانت – تزنيت – تافراوت) في عين رحالة ومثقف فرنسي. 


تافراوت لوكو: الناس والأشياء
يستغرق وصف تافراوت (9) في كتاب لوكو حوالي عشر صفحات، مؤرخة بما قبل سنة 1999 (تاريخ نشر الكتاب) وبإمكاننا أن نعدّ ما يقوله عن الغروب في تافراوت مفتاحا لرؤيته، يقول:"بتمهل، وبدون أدنى إشارة، يدور مفتاح فجأة فاتحا للملاحظ بعض الرؤى المنفلتة من الأزمنة. نخلات، صخور، بيوت، لا شيء تغيّر، وكل شيء مختلف.."(10) وما نود الإشارة إليه أن لوكو كتب رحلته بصيغة شاعرية، وكأنه يكتب قصائد طافحة بالصور الشعرية، إلا أن الجانب الاثنوغرافي حاضر بقلّة، عكس ما نجده في كتابات الرحالة الفرنسيين المعاصرين إلى المغرب أمثال دو فوكو وشوفريون ولوتورنو وغيرهم كثير. حيث يعمد لوكو إلى استدعاء هذا الجانب عبر مشاهداته اليومية، ويستطرد بالتأمل فيها ومحاولة النفاذ إلى أعماق الناس والأشياء في تافراوت، بحيث يظهر الحس الفلسفي عند الرحالة، دليل ذلك تأثره البادي بكتابات غاستون باشلار(11) وهايدجر وهولدرلين.
مهما يكن، يستعرض الرحالة بعض المَلاحِظ الهامة في رؤيته لتافراوت نُجملها في ما يأتي، مع تركنا الفرصة للنصوص لتشي بمضامينها:


فضاء تافراوت(12)
يبدو لوكو مشدوها بطبيعة تافراوت منذ حلوله بها، حيث لاحظ حرارتها المرتفعة، يقول:"ترقد تافراوت طوال اليوم في مرجل معدني، ولا تخرج إلا في المساء، أو في الصباح الباكر."(13) 
هذا الاستهلال يجعلنا ربما نتوجس من المنظور الغربي لنا (ارتفاع الحرارة طبيعيا ومزاجيا) وللشرق عموما، لكن الرحالة يبدي إعجابه بفضاء تافراوت بشكل شاعري تصعب ترجمته:"العيون تعانق الآن وردة الهواء الغير المحسوسة، ترمق بنظراتها جبلا بعيدا متوازنا في الأفق، ثم ترتقي صوب النجمة الأولى، وتشرب من فراغ السماء الرائق.."(14)


سماء تافراوت
من السهل أن يتنبه القارئ إلى شغف لوكو بالسماء شغفا عجيبا، نجده في أماكن كثيرة من الرحلة متأملا في سماء تافراوت: الغروب، النجوم، الفراغ، يقول:"هذه هي السماء التي أراد دائما أن يراها فوقه: هذه السماء وهذه المجموعة من الصخور التي تبدو وكأنها تتقدم لمقابلة النجوم. البهاء، جلالة المكان، تفتح له الرحالة حياة لم يكن يتخيل أن تصل به إلى هنا.."(15)
ويعقد لوكو مقارنة بين سماء تافراوت وسماء أوربا، مع الفارق الذي يجوز معه القياس، يقول:"في أوربا لا نعرف غالبا ما هي السماء المليئة بالنجوم: التلوث الضوئي لا يسمح بأي تأمل ممتاز، ولا نتخيل بأي قوة يمكن أن تضيء هذه الأنوار الضئيلة التي نغفلها. ولكن هنا، في هذا السهل بأقصى جنوب العالم، فإن الحوار العاطفي بين الأرض والصخور لم يكن أبدا مفككا. وطالما أن هذه القرية موجودة - فهذا يعني وجود رجال من أجل رفع  رؤوسهم فقط، والانفتاح على نداء النائي والبعيد- فهي ستستكمل ثباتها على مر القرون."(16)
نتوقف هنا لنقول بأن شغف لوكو بالرحابة(17) والانفتاح والمدى قوي جدا، وكأنه ينتقد النموذج الأوربي في العيش كما انتقده باشلار حين قال:"في باريس لا يوجد بيوت، والسكان يعيشون في صنادق مفروضة عليهم. كتب بول كلوديل:حجراتنا في باريس، داخل جدرانها الأربع، نوع من المكان الهندسي، ثقب تقليدي نؤثثه بالصور والأشياء والخزائن داخل خزانة."(18)
وبتحديد أكثر، يبدو شغف لوكو بالألفة(19) في تافراوت التي افتقدها في مدن أوربا، إنه البحث عن الأفضية ذات الحس الفردوسي sens paradisiaque، كما يعبّر عن ذلك في قوله:"يصير العالم في لحظة، هذا البيت المشيد بجانب الأبدية."(20)

نساء تافراوت وأطفالها: 
ينزل الرحالة من الفندق ليستشكف القرى والمداشر المحيطة بتافراوت، وينقل لنا بعض انطباعاته عن السكان خاصة:
- الأطفال: وقف عند وصف تلهفهم للهدايا في قوله:"في خضم هذا الارتحال، يجتاز الرحالة المزارع والقرى، ويهبُّ لمقابلته عدد كبير من الأطفال لكي يسردوا عليه حاجياتهم من الحلويات".(21)
- والنساء: توقف عند خوفهن من التصوير الذي لن يفسر حتما ب "التيار المقاوم للتصوير" l’iconoclasme. يقول". الفتيات المرحات اللائي لا يَخَفْنَ شيئا ما عدا آلة التصوير."(22) وينقل الرحالة صورة عن لقاء الرجل الغربي بفتيات تافراوت في قوله:"..عندما يمرّ الرحالة ترمقه فتيات يافعات، يراقبنه للحظة بجدية، ثم ينفجرن بالضحك، تحت حجابهن ينكشف الماس الأسود لعيونهن الضاحكات."(23)

لغة تافراوت: 
بعد المشاهدات يرصد الرحالة التنوع اللغوي، ليس عن أوربا، وإنما داخل المغرب، لا يجب أن ننسى بأن الرحّالة أتى إلى تافراوت من تارودانت مرورا بتزنيت. يقول:"يتحدث سكان هذه الجبال لغة أخرى غير التي في السهول هي البربرية Le berbère(24)؛ اللغة الأصل لهذا البلد بعد لجوئهم إليه بسبب المعارك.. إنهم شعب من الرعاة، ومروّضي الثعابين.." (25)
هنا اتكأ الرحالة على التاريخي لفهم المشاهَد والمسموع، لكنه اتكاء بالأحرى على "الاقتباس الترميمي للسلطة المرجعية السابقة"(26)، "التي تقدم لنا جزئيات الصورة المرئية من خلال زوايا الرؤية للرحالة السابقين واللاحقين. فرحلة لامارتين تمّت عبر شاتوبريان، وابن بطوطة استفاد من ابن جبير، والعمراوي والصفّار أحالا على الطهطاوي."(27)

تافراوت أو السكن الشعري في المكان
"لا يرجع إلى تافراوت إلا في المساء، وبعد السباحة في مسبح الفندق يراقب غروب الشمس من جديد فوق جبال الغرانيت الوردية. ويقول لنفسه بأن فوق هذا المكان المثالي تنزلق فصول السماء، إنه يريد بطيب خاطر قضاء بقية حياته هنا. إنه التفكير في المكان مرة أخرى، في "السكن الشعري"(28) للعزيز هولدرلين(29) Hölderlin، الذي يفكّر فيه الرحالة بعفوية في كل مرة يتوقف في هذا البلد: الحلم بالعيش أخيرا في المنتصف الحميمي للأشياء -التي منها ينتشر حضورها- والإقامة فوق الأرض في هذا الوسط من العالم حيث تلعب وتتصارع وتتزاوج  الحرارة والطراوة، الداني والقاصي.. هكذا يعيش الرحالة في تافراوت، لا يبحث سوى عن بلوغ هذا الحد بين البعد والقرب: البعد عن من يحدثنا وينادينا، والقرب من يوم يخترقنا في حب بكّفه الصخرية المنيرة."(30)

تركيب:
ضمور الاثنوغرافي لدى لوكو، جعل رحلته إلى تافراوت تأملات في فضائها وأشيائها، وتظهر رغبة الرحالة في الانفلات من العبء الاستشراقي والرحلي الغربي، لكنه استحضره في بعض المواضع عندما تحدث عن تاريخ سكان المنطقة. من جانب آخر، يغلب على رؤية لوكو الطابع الجمالي الفلسفي متأثرا في ذلك بهولدرلين وهايدجر وباشلار. وهو ما يجعل رحلته تحتفي بأدبيتها، وتغلّبها على غيرها مما ألفناه في نصوص الرحلات بمختلف عصورها. وحاصل القول، تتعدد صور تافراوت في رحلة لوكو كما رأينا، لكن صورة تافراوت الشاعرية هي المسيطرة.

مارك دو مازيير: من تيزنيت إلى تافراوت
مارك دو مازيير Marc de Mazières  مدير فندق PLM بالدار البيضاء إبان الحماية الفرنسية، كاتب رحّالة، له مقالات وكتب منشورة منها:

Debdou In مجلة جغرافية المغرب  =  Revue de géographie du Maroc. N. 2 (1938). p. 184-192.
Le régime douanier algéro-marocain à l'importation au Maroc par la voie de terre / M. de Mazières In France-Maroc: revue mensuelle illustrée. - N. 87 (1924). - p. 30-32 
Les Kasba du Haut Atlas / M. de Mazières et J. Goulven ; photogr. de L. Gillot et M. de Mazières. - Casablanca: Publications de La Vie Marocaine Illustrée, 193?. 93 p.
Promenades à Fès / Marc de Mazières; préf. de maréchal Lyautey. Casablanca: Editions du Moghreb, 1934. 203 p. 
Promenades à Marrakech / Marc de Mazières ; préf. du général Noguès dessins de Théophile-Jean Delaye. - Paris : Horizons de France, 1937. 82 p.

مصدر الرحلة:
نصّ الرحلة مأخوذ من كتاب "مراكش، عاصمة النور: مناخها، مواقعها، آثارها"، قدّم له المقيم العام الفرنسي الجنرال نوكَيس général Nogues، وتوجد نسخة منه بمكتبة آل سعود بالدار البيضاء(31).

دو مازيير: إثنوغرافيا تافراوت
إذا كان لوكو قد تميز بأسلوبه الشاعري المغرق في التأملات وأحلام اليقظة كما عند باشلار، فإن دو مازيير يستحضر الأسلوب الاثنوغرافي المألوف في الكتابات الرحلية، وإذا كان لوكو قد خصص عشر صفحات لتافراوت، فدو مازيير لم يتجاوز في ذلك الواحدة. انطلق دو مازيير من تزنيت خلال سنوات الخمسينيات، وكان عليه أن يجتاز "السلسلة"   La chaine المعروفة في ذلك الوقت، ثم إلى أساكا حيث تناول بعض الطعام وتحدث مع شيخ ملم بالفرنسية. وصل الرحالة إلى تفرميت التي تضم مركزا للحراسة. ثم الوصول إلى  تهالة ومنها إلى سهل تافراوت وأمّلن(32) حيث يطل جبل الكَسْتْ. أما تاريخ الرحلة، فهو واقع زمان الحماية بدليل حديث الرحالة عن القوات الفرنسية ومراكز الحراسة وغير ذلك في رحلته(33).

شريف أساكا يتكلم الفرنسية
نفس الأمر تقريبا يرصده الرحالة في اساكا كما رصده لوكو في تافراوت، حينما يتوقف الناس لمشاهدة هذا الشخص، هذا ما يصفه الرحالة بـ "الفضول الكبير". في أساكا تبرز شخصية الشريف مولاي إبراهيم الذي –حسب دو مازيير- "ابتكر مقدسا لتحقيق مصالحه. في الواقع يذهب كل سنة –كما يخبرنا بفرنسية سليمة تماما- لزيارة إخوانه في الدين، الذين يعملون في فرنسا وبلجيكا، من أجل تعليمهم القرآن في المساجد الصغيرة بجوار المصانع. هذا السفر يدرّ عليه من 25 إلى 30000 فرنك. لهذا أصبح مولاي إبراهيم شخصا مؤثرا ومحترما في سهل أساكا."(34)

ماذا نفهم من دو مازيير؟
يركز على شخصية مولاي إبراهيم من خلال أبعادها:
1) شريف أساكا، صاحب القداسة، 2) مقرئ القرآن في أوربا. 3)  متقن للفرنسية. 4)صاحب المكانة في أساكا.
هل يلمّح الرحالة من خلال التعدد في شخصية مولاي إبراهيم إلى أشياء من قبيل التنقّص منه ومن حفظة القرآن والفقهاء (علماء الدين عموما)؟ نجد هذا عند دوفوكو الذي يرى أن حفظة القرآن "أميون، خشينو الطبع، يدخّنون الكيف مع تناول كؤوس كبرى من ماء الماحيا من صنع يهود تزنيت ودرعة."(35)

التسلية الوحيدة في تِفْرْميتْ
"تنحدر السيارة الآن في اتجاه تفرميت، مركز الحراسة الصغير الذي يشرف عليه ضابط وحيد من الكَوم (goums) وعدد من المساعدين. وليست الحراسة دائما فوق الهضبة الصحراوية أمرا مسليا، باستثناء هذا الموكب النادر من السيارات الذي يعد بالنسبة إليهم التسلية الوحيدة."
الضابط.. الكَوم.. الجنود.. الحراسة.. معجم عسكري في قالب سُخري، السّخرية –ربما- من هذا المركز الصغير المنعزل في عمق جبال الأطلس الصغير في زمن أفول الحماية، أو يريد الرحالة الإشادة بمواقف سلطات الحماية من أجل استتباب الأمن، والرثاء لحال الضابط الذي يتحمل كل تلك العزلة.

الطريق جيدة.. "البربر منحطون"
يُسهب الرحالة في وصف الطريق، ويمدح فوائدها الاقتصادية والسرعة في التنقل إلخ. لكنه يطلق حكم قيمة حين يقول:"هذه الطريق التي صممتها الهندسة العسكرية وشقها الفيلق الأجنبي بتعزيز من البربر المنحطين في السهل." وبعد ذلك بقليل، يتحدث عن ضريح الولية للا تهالة بتوقير. ما خطب دو مازيير إذن؟ ببساطة إنها السخرة أو "التويزة"، يصف المختار السوسي احد أدباء سوس (محمد بن الطيب التِّيزِيّي الصوّاغ) الذي قضى بسببها في قوله:"وكانوا أسرة شبه فقيرة، وكان لابد أن يقوم بنصيبه من السعي من بين أفراد الأسرة. فكان حينا من الدهر من بين عَمَلَةِ ترصيف الطرق؛ يؤدي خدمة الأيام التي تلزمه وتلزم أفراد أسرته على حساب ما ارتأته الحكومة. فأنهك ذلك جسمه الرقيق النحيف، وألحَّ عليه حادث مُباغت، في صيف سنة 1345هـ في الثالث من شعبان، فالتحق بالقبر بعد مرض قليل."(36)

درّاجات في تافراوت
يبدو دو مازيير معجبا بمنظر سهل تافراوت وأملن وهو يلجه، شجر الاركَان وشجر اللوز بازهاره البيضاء والنخيل.. كما وصف جبل الكست يقول:"تشكل هذه السهول المغلقة منظرا مدهشا، مثل واحات شديدة الخضرة فوق طبقة الصخور الحمراء، حيث تظهر أزهار اللوز وكأنها كرات بيضاء." هنا يأتلف الرحالتان (لوكو ودو مازيير) في الإعجاب بتافراوت، ويسوق الأخير نصا إثنوغرافيا جميلا:"تعني "تافراوت" المياه الضحلة، وفي الواقع هي قرى صغيرة مترنحة في السهل المغلق بواسطة الأحجار الرملية الحمراء.. بدون مفاجأة، نرى دراجات بربرية. لا توجد هنا كثافة ضخمة. منازل شديدة البياض، وبعضها له مظهر قصبة بسبب البرج الموجود فيها.." 
يعود بنا الرحالة إلى وصف الناس، والاقتراب من عالم الرجال والنساء والمواصلات:".. الرجال في برانيسهم البيضاء، كما النساء في اللحاف الصوفي الأزرق مرتديات مجوهرات الفضة، ولا حرفة لهن سوى العمل في الحقول والبساتين، أو الاعتناء بشؤون المنزل. لم نجد في الطريق متجرا واحدا، بل بعض محطات الوقود فقط، وذلك لأن حافلة تأتي إلى تافراوت من الدار البيضاء ثلاث مرات في الأسبوع على مرحلتين."
هكذا يصوّر دو مازيير تافراوت خلال الخمسينيات، وقد ولجتها وسائل العصر: الدراجة، والسيارة، والحافلة، ومحطات الوقود.. ولعل في ذلك ثناء على إدارة الحماية التي شقّت الطريق ولولاها ما هبّت على تافراوت رياح العصر في نظر الرحالة.

تافراوت والدار البيضاء(37)
يطلق دو مازيير على تافراوت عاصمة التجّار والبقالين، حيث منها انطلق عدد من التجار إلى باقي مدن المغرب، ويضيف أنهم يجنون أموالا كثيرة من ذلك، لتلبية حاجيات أسرهم المستقرة في تافراوت وأملن. وقد شاهد الرحالة قصبة صغيرة في ملك تاجر من المنطقة، يملك سبعة محلات بالدار البيضاء. هذا الازدهار الاقتصادي مكن بعض التجار من اقتناء سيارات، وهذا ما يفسر وجود محطات الوقود على طول الطريق إلى تافراوت. ويختم الرحالة رحلته بقوله:"عادة ما نسمع الحديث بالفرنسية في سهل تافراوت البعيد في الأطلس الصغير."
رصد الرحالة العلاقات الاقتصادية بين شمال المغرب وجنوبه، ممثلة في الهجرة الداخلية بين تافراوت والدار البيضاء، وما تلاها من تحولات. لكن الرحّالة تساءل عن سرّ اختصاص السوسيين (تجّار تافراوت) بالتجارة في مختلف مدن المغرب، وهو تساؤل مشروع، ولا نخشى اليوم من إعادة طرحه بعد نصف قرن من رحلة دومازيير. ويبقى المثير هو خاتمة الرحلة التي تقف عند شيوع الحديث بالفرنسية في تافراوت –حسب دو مازيير، كما سلف حين تحدث الرحالة عن مولاي إبراهيم شريف أساكا. ويبدو الرحالة منشرحا بشيوع لغته، دليل ذلك سرده لموقع تافراوت بكونها تقع في سهل بعيد في الأطلس الصغير.

خلاصات:
في رحلة دومازيير طغى الوصف الإثنوغرافي، فنقل الرحالة مشاهداته ما بين تزنيت وتافراوت، لكنه بدا متحاملا أحيانا (القدح في سكان المنطقة)، ومكرسا لخطاب الحماية (السخرية \ الرثاء لحال الضابط في مركز تفرميت)، ومنتشيا بانتشار لغته في الأماكن البعيدة. ومن وجه آخر، قيمة الرحلة لا تنكر، من:
- الناحية التاريخية: الخمسينيات، أواخر الحماية..
- والناحية الاقتصادية: المواصلات والتجارة..
- والناحية الاجتماعية: تغير نمط العيش، الهجرة الداخلية.. إلخ.
- أما لوكو، فكان في رحلته منتشيا في أثناء كتابتها بشاعرية الفضاء، أي إنه كان شاعرا في أسلوبه، ولم يهتبل باستدعاء الفضاء بحذافيره كما صنع سالفه دو مازيير، بل اهتمَّ بالعيش فيه والحلم به كما عند باشلار. 
لم يستطع الرحالتان الفكاك من الاقتباس الترميمي للسلطة المرجعية السابقة الذي سبق الحديث عنه، فدو مازيير ينظر إلى تافراوت بتعالٍ (حديثه عن الدرجات والسيارات في تافروات..)، ولوكو يعدُّ السكان مجرد جبليين يروّضون الثعابين..
في الرحلتين انتباه كبير إلى الاختلاف لدى الآخر (الذي هو في الرحلتين "نحن") من حيث اللغة والعادة والذهنيات والعلاقات الاجتماعية وطرق التفكير.. وهي مَلاحِظُ أنثربولوجية مهمة اعتمدت المشاركة والاكتشاف.
---------------------------------------------
(1) قدمت هذه الورقة في أشغال الجامعة القروية محمد خير الدين بتافراوت في موضوع "تافراوت وأملن: مؤهلات، ثقافة وذاكرة"، تافراوت، 24-25 يوليوز 2010. وأتقدم بالشكر الجزيل للصديقين الباحثين: الأستاذ محمد الصالحي والأستاذ محفوظ سعيدي على مساعدتهما العلمية في إنجاز هذا المقال.
(2) الاستشراق، المعرفة، السلطة، الإنشاء: 190، ترجمة كمال أبو ديب، ط.3، 1993.
(3) حوارات مغربية، كيفين دواير، ص. 27، ترجمة: محمد نجمي ومحمد حبيدة، الدار البيضاء، 2008.
(4) voir : Voyages d'exploration dans l'Atlas marocain, 1923 / Louis Gentil. Paris : Ed. du Comité de l'Afrique française, 1924
(5) voir: Abdeljalil Lahjomri ; L'image du Maroc dans la littérature française, Alger: Société nationale d'édition et de diffusion, 1973.
(6) نشر إلياس كانيتي كتابه "أصوات مراكش" (الدار البيضاء، دار توبقال, 1988)، والملحظ الطباق الواضح بين عنواني الكتابين: "أصوات مراكش" و "صموت مراكش".
(7) voir le site: http://arpel.aquitaine.fr/spip.php?article100002328
(8) L'Eternité à Taroudannt, Pierre Le Coz. Editions du Laquet, 1999. 123 p. 
(9) تنظر مادة "تافراوت" بقلم: الحسين جهادي في معلمة المغرب: 6\2075.
(10) l’éternité à Taroudannt : 43.
(11) خصوصا كتابه "جماليات المكان"، ترجمة غالب هلسا، بيروت، 1984.
(12) هل هذا الفضاء هو الذي دفع الناشرة والروائية البريطانية "جين جونسون" إلى الزواج من صاحب مطعم في تافراوت؟ ينظر موقعها: www.janejohnsonbooks.com
(13)- l’éternité à Taroudannt. p. 42.
(14)- ibid. p. 44.
(15)- l’éternité à Taroudannt. p. 44-45.
(16)- ibid. p. 46.
(17) تذكرت هنا قصة "رحابة تغري بالعويل" للقاصة المغربية لطيفة باقا.
(18) جماليات المكان: 52.
(19) جرّب كاتب السطور هذه الألفة في قريته الأصل "دوكَادير إلغ"، حيث قضاء أسبوع هناك يجعله يتصور أنه قضى فيها أسابيع أو شهورا.
(20) ibid. p. 43.
(21) l’éternité à Taroudannt. p. 47-48.
(22) ibid. p. 47-48.
(23) ibid. p. 47-48.
(24) نقلj هنا بأمانة المصطلح الذي وظّفه الكاتب.
(25)- ibid. p. 47-48.
(26) الاستشراق: 190.
(27) رحلة أدبية أم أدبية الرحلة؟ عبد الرحيم مودن، مجلة فكر ونقد،عدد 20، يونيو 1999.
(28) لعله يقصد قول هولدرلين في قصيدته:"شعريا يقيم الإنسان على الأرض." ويقصد تحويل العالم إلى شعر.
(29) شاعر ألماني (1770-1834م). ترجمته في ويكيبيديا.
(30) l’éternité à Taroudannt. p. 50-51.
(31) Marc de Mazières, De Tiznit à Tafraout ; In Marrakech, capitale de la lumière: son climat, ses sites, ses monuments / préf. général Nogues Marrakech : Atlas, 195-?. Non paginé: ill.; 37 cm. N « 30 . 031 . 2 / 219 , Rare Contribution
(32) بصدد أملن ينظر:
- David Hart, The Traditional sociopolitical organization of the Ammeln, Anti-Atlas: one informant's view In The Maghreb review. Vol. 5, n. 5-6 (1980 - p.134-139.
- capitaine de Fleurieu, Essai sur le particularisme d'une tribu de l'anti-Atlas: les Ammeln, 1936. 
- Jean Chaumeil, Le mellah de Tahala au pays des Ammeln In Hespéris. T. 40 (1953)- p. 227-240.
(33) في قاعدة بيانات مكتبة آل سعود، حدد تاريخ نشر االكتاب في  195-?. ينظر الهامش: 28.
(34)- De Tiznit à Tafraout.
(35) التعرف على المغرب: 220، ترجمة: المختار بلعربي، دار الثقافة, الدار البيضاء، 1999.
(36) المعسول: 18\426.
(37) تطرق الأنتربولوجي الأمريكي جان واتربوري  Waterbury. J إلى هجرة تجار سوس إلى الشمال للتجارة في كتابه: North for trade ; the life and times of a berber Merchant, 1972.، ينظر أيضا: مراحل تشكيل النخبة السوسية بالمغرب، محمد شقير، مقال منشور في المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي، ع. 9-10، 1989، ص. 133-153.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دواء الموت

مجلة البينة، وزارة الدولة المكلفة بالشؤون الإسلامية، مديرها: علال الفاسي، رئيس التحرير: عبد الكريم غلاب، السنة الأولى، العدد العاشر، رمضان 1382/يبراير 1963، ص. 11-21. دواء الموت للأستاذ محمد الفاسي عميد الجامعة المغربية في آداب الأمم الغربية لون من الإنتاج الأدبي قليلا ما نجد له مماثلا في الأدب العربي وهو التعرض لنقد بعض المظاهر الاجتماعية في أسلوب خيالي فكاهي لا يمت للأوضاع المتقدة بصلة مباشرة، ولكنه يعنيها بالذات وذلك مثل "الرسائل الفارسية" للكاتب الفرنسي مونتيسكيوه و "مغامرات بيكويك" للكاتب الإنكليزي ديكنس وغيرها من المؤلفات التي لها مقلم مرموق في الأدب العالمي. وأظن أن السبب في كون الأدباء العرب أعرضوا عن هذا النوع الأدبي وهو أن التعرض لمظاهر الفاسد في المجتمع الإسلامي كان له دعاته من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وكانوا يعتبرون الأمر من الجد بحيث لا ينبغي مقاومته بالأساليب الفكاهية ولكن بالبحث الجدي، لذلك امتازت الآداب العربية بمؤلفات في هذا الموضوع مثل "المدخل "لابن الحاج العبدري الفاسي، ومثل "شعب الإيمان" لعبد الجليل  ا

قراءة في كتاب “الخط المغربي”

الخط المغربي، تاريخ وواقع وآفاق قراءة في كتاب “الخط المغربي”  تأليف الأستاذين محمد المغراوي وعمر أفا  أحمد السعيدي “الخط المغربي، تاريخ وواقع وآفاق”، تأليف الأستاذين: محمد المغراوي، وعمر أفا، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء،  1428هـ / 2007م ،  191  ص من القطع المتوسط. يُعد المؤلّفان من ورثة المدرسة المدرسة المنّونية [1]  في الاعتناء بالخط المغربي، إذ عُرف عنهما المزاوجة بين البحث في تاريخيْ المغرب الوسيط والمعاصر، والاشتغال بقضايا الخطّ المغربي تنظيرا وممارسة، فالكتاب المومى إليه ثَمَرَةَ الإحساس بقيمة المنجز الحضاري المغربي على جميع الأصعدة بما فيها فن الخط. وحاصل القول أن الكتاب لا غُنية عنه لدارس الخط المغربي والعربي والباحث في قضايا المخطوطات وتاريخ الفن الإسلامي والجماليات وعلم الصورة.. ولعل المؤلفين تَمثَّلا خلال انقطاعهما لهذا العمل الرصين قول خليل في المُختصر:”وقُدِّمَ فَرضٌ   خِيفَ   فَواتُه .” تاريخ الخط المغربي وخصائصه: تطرق المؤلفان في القسم الأول “تاريخ الخط المغربي وخصائصه” إلى عرض مركّز لمسار الخط العربي م

صدر حديثا: مشاركة في كتاب جماعي عن العلامة أبي سالم العياشي

مخطوط فريد في ترجمة أبي سالم العياشي: " إرفاد الوافد القاصد" لحفيده مَحمد بن حمزة (بعد 1135ه) أحمد السعيدي جامعة ابن زهر- أكادير تلقي المقالة الضوء على مخطوط فريد  ودفين لأحد علماء الزاوية الحمزية العياشية، وهو "إرفادُ الوافدِ القاصِد، وبَرْدُ غُلَّة المسترشِد الراشِد، بإنشاد الشّارد، من شعر الجدّ والوالد، ومُشيَّد بعض الأسانيد والمَساند"، لمَحمد بن حمزة بن أبي سالم العياشي، مؤلف كتاب "الثغر الباسم في جملة من كلام أبي سالم". وقد كان هذا المخطوط في عِداد التآليف المفقودة إلى حدود ثمانينيات القرن الماضي، حيث ريء -حسب بعض الباحثين- في الخزانة الفاسية للفقيه العابد الفاسي، قبل أن يخرج إلى الوجود ويظهر في مكتبة عبد العزيز آل سعود بالدار البيضاء في أوائل القرن الحالي. ومع ذلك ظل هذا المخطوط –مثله مثل الزهر الباسم- رهين حاله الأولى ولمّا يحقق وينشر، ولعل هذه الأسطر هي أول معرّف به وواصف لما ساقه من آثار عالمي العياشية الجد أبي سالم والوالد حمزة ومن إليهما من بقية هذه الأسرة العلمية المشتهرة. وحسْبُ هذه الأسطر التعريف والوصف تمهيدا لخروج المخطوط إلى د